ولا أيمان لهم بما علمت. وأجيب بأن باعتبار اعتقادهم أنه يمين، ويبعد أن الأخبار من الله تعالى والخطاب للمؤمنين، وقال آخرون: إن الاستدلال بالنكث على اليمين إشارة أو اقتضاء ولا أيمان لهم عبارة فتترجح، والقول بأنها تؤول جمعا بين الأدلة فيه نظر لأنه إذا كان لا بد من التأويل في أحد الجانبين فتأويل غير الصريح أولى، ولعله لا يعتبر في ذلك التقدم والتأخر، وثمرة الخلاف أنه لو أسلم الكافر بعد يمين انعقدت في كفره ثم حنث هل تلزمه الكفارة فعند أبي حنيفة عليه الرحمة لا وعند الشافعي رحمه الله تعالى نعم.
وقرأ ابن عامر * (إيمان) * بكسر الهمزة على أنه مصدر آمنه إيمانا بمعنى أعطاه الأمان، ويستعمل بمعنى الحاصل بالمصدر وهو الأمان، والمراد أنه لا سبيل إلى أن تعطوهم أمانا بعد ذلك أبدا، قيل: وهذا النفي بناء على أن الآية في مشركي العرب وليس لهم إلا الإسلام أو السيف؛ ومن الناس من زعم أن المراد لا سبيل إلى أن يعطوكم الأمان بعد، وفيه أنه مشعر بأن معاهدتهم معنا على طريقة أن يكون إعطاء الأمان من قبلهم وهو بين البطلان، أو على أن الإيمان بمعنى الإسلام، والجملة على هذا تعليل لمضمون الشرط لا غير على ما بينه شيخ الإسلام مأنه قيل، إن نكثوا وطعنوا كما هو الظاهر من حالهم لأنه إسلام لهم حتى يرتدعوا عن نقض جنس إيمانهم وعن الطعن في دينكم، وتشبث بهذه الآية على هذه القراءة من قال: إن المرتد لا تقبل توبته بناء على أن الناكث هو المرتد وقد نفى الإيمان عنه، ونفيه مع أنه قد يقع منه نفي لصحته والاعتداد به ولا يخفى ضعفه لما علمت من معنى الآية، وقد قالوا: الاحتمال يسقط الاستدلال، وقال القاضي: بيض الله تعالى غرة أحواله في بيان ضعفه: أنه يجوز أن يكون المراد نفي الإيمان عن قوم معينين والأخبار عنهم بأنه طبع على قلوبهم فلا يصدر منهم إيمان اصلا، أو يكون المراد أن المشركين لا إيمان لهم حتى يراقبوا ويمهلوا لأجله، ويفهم من هذا أنه لم يجعل الجملة تعليلا لمضمون الشرط كما ذكرنا والظاهر أنه جعلها تعليلا لقوله سبحانه: * (فقاتلوا) * يعني أن المانع من قتلهم أحد أمرين إما العهد وقد نقضوه أو الإيمان وقد حرموه، وربما يؤول ذلك إلى جعلها علة لما يفهم من الكلام كأنه قيل: إن نكثوا وطعنوا فقاتلوهم ولا تتوقفوا لأنه لا مانع أصلا بعد ذلك لأنهم لا إيمان لهم ليكون مانعا ولا يخفى ما فيه.
وإن قيل: إنه سقط به ما قيل: إن وصف أئمة الكفر بأنهم لا إسلام لهم تكرار مستغنى عنه، وجعل الجملة تعليلا لما يستفاد من الكلام من الحكم عليهم بأنهم أئمة الكفر أي رؤساؤه على احتمال أن يراد الأخبار عن قوم مخصوصين بالطبع أظهر من جعلها تعليلا لها على القراءة السابقة. نعم يأبى حديث الأخبار بالطبع قوله تعالى: * (لعلهم ينتهون) * إذ مع الطبع لا يتصور الانتهاء وهو متعلق بقوله سبحانه: * (فقاتلوا) * أي قاتلوهم إرادة أن ينتهوا، أي ليكن غرضكم من القتال انتهاؤهم عما هم عليه من الكفر وسائر العظائم لا مجرد إيصال الأذية بهم كما هو شنشنة المؤذين، ومما قرر يعلم أن الترجى من المخاطبين لا من الله عز شأنه.
* (ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدءوكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين) *.
* (ألا تقاتلون) * تحريض على القتال لأن الاستفهام فيه للانكار والاستفهام الانكاري في معنى النفي وقد دخل النفي ونفى النفي إثبات، وحيث كان الترك مستقبحا منكرا أفاد بطريق برهاني أن إيجاده أمر مطلوب مرغوب فيه فيفيد الحث والتحريض عليه، وقد يقال: وجه التحريض على القتال أنهم حملوا على الإقرار بانتفائه كأنه أمر لا يمكن أن يعترف به طائعا لكمال شناعته فليجؤون إلى ذلك ولا يقدرون على الإقرار به فيختارون القتال فيقاتلون * (قوما نكثوا أيمانهم) * التي حلفوها عند المعاهدة لكم