فيؤاخذهم بما يستحقونه ويرد كيدهم في نحرهم.
* (وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذىأيدك بنصره وبالمؤمنين) *.
* (وإن يريدوا أن يخدعوك) * بإظهار السلم * (فإن حسبك الله) * أي محسبك الله وكافيك وناصرك عليهم فلا تبال بهم، فحسب صفة مشبهة بمعنى اسم الفاعل والكاف في محل جر كما نص عليه غير واحد وأنشدوا لجرير: إني وجدت من المكارم حسبكم * أن تلبسوا حر الثياب وتشبعوا وقال الزجاج: إنه اسم فعل بمعنى كفاك والكاف في محل نصب، وخطأه فيه أبو حيان لدخول العوامل عليه وإعرابه في نحو بحسبك درهم ولا يكون اسم فعل هكذا * (هو) * عز وجل * (الذي أيدك بنصره) * استئناف مسوق لتعليل كفايته تعالى إياه صلى الله عليه وسلم فإن تأييده عليه الصلاة والسلام فيما سلف على الوجه الذي سلف من دلائل تأييده صلى الله عليه وسلم فيما سيأتي، أي هو الذي أيدك بإمداده من عنده بلا واسطة، أو بالملائكة مع خرقه للعادات * (وبالمؤمنين) * من المهاجرين والأنصار على ما هو المتبادر.
وعن أبي جعفر رضي الله تعالى عنه. والنعمان بن بشير. وابن عباس. والسدي أنهم الأنصار رضي الله تعالى عنهم.
* (وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما فى الارض جميعا مآ ألفت بين قلوبهم ولاكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم) *.
* (وألف بين قلوبهم) * مع ما جبلوا عليه كسائر العرب من الحمية والعصبية والانطواء على الضغينة والتهالك على الانتقام بحيث لا يكاد يأتلف فيهم قلبان حتى صاروا بتوفيقه تعالى كنفس واحدة.
وقيل: إن الأنصار وهم الأوس والخزرج كان بينهم من الحروب ما أهلك ساداتهم ودق جماجمهم ولم يكن لبغضائهم أمد وبينهم التجاور الذي يهيج الضغائن ويديم التحاسد والتنافس فأنساهم الله تعالى ما كان بينهم فاتفقوا على الطاعة وتصافوا وصاروا أنصارا وعادوا أعوانا وما ذاك إلا بلطيف صنعه تعالى وبليغ قدرته جل وعلا. واعترض هذا القول بأنه ليس في السياق قرينة عليه. وأجيب بأن كون المؤمنين مؤيدا بهم يشعر بكونهم أنصارا ولا يخفى ضعفه ولا تجد له أنصارا، وبالجملة ما وقع من التأليف من أبهر معجزاته عليه الصلاة والسلام * (لو أنفقت ما في الأرض جميعا) * أي لتأليف ما بينهم * (ما ألفت بين قلوبهم) * لتناهي عداوتهم وقوة أسبابها، والجملة استئناف مقرر لما قبله ومبين لعزة المطلب وصعوبة المأخذ، والخطاب لكل واقف عليه لأنه لا مبالغة في انتفاء ذلك من منفق معين، وذكر القلوب للإشعار بأن التأليف بينها لا يتسنى وإن أمكن التأليف ظاهرا * (ولاكن الله) * جلت قدرته * (ألف بينهم) * قلبا وقالبا بقدرته البالغة * (إنه عزيز) * كامل القدرة والغلبة لا يستعصى عليه سبحانه شيء يما يريد * (حكيم) * يعلم ما يليق تعلق الإرادة به فيوجده بمقتضى حكمته عز وجل، ومن آثار عزته سبحانه تصرفه بالقلوب الأبية المملوءة من الحمية الجاهلية، ومن آثار حكمته تدبير أمورهم على وجه أحدث فيهم التواد والتحاب فاجتمعت كلمتهم، وصاروا جميعا كنانة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذابين عنه بقوس واحدة، والجملة على ما قال الطيبي كالتعليل للتأليف هذا.
ومن باب الإشارة في الآيات: * (واعلموا أنما غنمتم من شيء) * إلى قوله سبحانه: * (والله شديد العقاب) * (الأنفال: 41 - 48) طبقه بعض العارفين على ما في الأنفس فقال: * (واعلموا) * أي أيها القوى الروحانية * (أنما غنمتم من شيء) * من العلوم النافعة * (فأن لله خمسه) * وهي كلمة التوحيد التي هي الأساس الأعظم للدين * (وللرسول) * الخاص وهو القلب * (ولذي القربى) * الذي هو السر * (واليتامى) * من القوة النظرية والعملية * (والمساكين) * من القوى