رجلا الخ وهو كما ترى ظاهر فيما قلناه، والقول بأنه لا معنى للاعتذار بعد قل أنفسهم ونزول التوبة أجيب عنه بأن المعنى يحتمل أن يكون طلبا لزيادة الرضى واستنزال مزيد الرحمة، ويحتمل أن يكونوا أمروا بذلك تأكيدا للإيذان بعظم الجناية وزيادة فيه وإشارة إلى أنه بلغ مبلغا في السوء لا يكفي في العفو عنه قتل الأنفس بل لا بد فيه مع ذلك الاعتذار، ويمكن أن يقال إنه كان قبل قتلهم أنفسهم: والسر في أنهم أمروا به أن يعلموا أيضا عظم الجناية على أتم وجه بعدم قبوله والله تعالى أعلم * (فلما أخذتهم الرجفة) * أي الصاعقة أو رجفة الجبل فصعقوا منها والكثير على أنهم ماتوا جميعا ثم أحياهم الله تعالى، وقيل: غشي عليهم ثم أفاقوا وذلك لأنهم قالوا: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة على ما في بعض الروايات أو ليتحقق عند القائلين ذلك من قومهم مزيد عظمته سبحانه على ما في البعض الآخر منها، أو لمجرد التأديب على ما في خبر القرظي، والظاهر أن قولهم: لن نؤمن الخ صدر منهم في ذلك المكان لا بعد الرجوع كما قيل: ونقلناه في البقرة وحينئذ يبعد على ما قيل القول بأن هذا الميقات هو الميقات الأول لأن فيه طلب موسى عليه السلام الرؤية بعد كلام الله تعالى له من غير فصل على ما هو الظاهر فكون هذا الطلب بعده، وبعيد أن يطلبوا ذلك بعد أن رأوا ما وقع لموسى عليه السلام. وما أخرجه ابن أبي الدنيا: وابن جرير وغيرهما عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قال: لما حضر أجل هارون أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام أن انطلق أنت وهارون وابنه إلى غار في الجبل فإنا قابضو روحه فانطلقوا جميعا فدخلوا الغار فإذا سرير فاضطجع عليه موسى ثم قام عنه فقال: ما أحسن هذا المكان يا هارون فاضطجع عليه هارون فقبض روحه فرجع موسى وابن أخه إلى بني إسرائيل حزينين فقالوا له: أين هارون: قال مات؟ قالوا: بل قتلته كنت تعلم إنا نحبه فقال لهم: ويلكم أقتل أخي وقد سألته الله تعالى وزيرا ولو أني أردت قتله أكان ابنه يدعني. قالوا بلى: قتلته حسدا، قال: فاختاروا سبعين رجلا فانطلق بهم فمرض رجلان في الطريق فخط عليهما خطا فانطلق هو وابن هارون. وبنو إسرائيل حتى انتهوا إلى هارون فقال: يا هارون من فتلك؟ قال: لم يقتلني أحد ولكني مت قالوا: ما تعصى يا موسى ادع لنا ربك يجعلنا أنبياء فأخذتهم الرجفة فصعقوا وصعق الرجلان اللذان خلفوا وقام موسى عليه السلام يدعو ربه فأحياهم الله تعالى فرجعوا إلى قومهم أنبياء لا يكاد يصح فيما أرى لتظافر الآثار بخلافه وإباء ظواهر الآيات عنه.
* (قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل) * عرض للعفو السابق لاستجلاب العفو اللاحق يعني أنك قدرت على إهلاكهم قبل ذلك بحمل فرعون على إهلاكهم وبإغراقهم في البحر وغيرهما فترحمت عليهم ولم تهلكهم فارحمهم الآن كما رحمتهم من قبل جريا على مقتضى كرمك وإنما قال: * (وإياي) * تسليما منه وتواضعا، وقيل: أراد بقوله: * (من قبل) * حين فرطوا في النهي عن عبادة العجل وما فارقوا عبدته حين شاهدوا إصرارهم عليها أي لو شئت إهلاكهم بذنوبهم إذ ذاك وإياي أيضا حين طلبت منك الرؤية، وقيل: حين قتل القبطي لأهلكتنا، وقيل: هو تمن منه عليه السلام للإهلاك جميعا بسبب محبته أن لا يرى ما يرى من مخالفتهم له مثلا أو بسبب آخر وفيه دغدغة * (أتهلكنا بما فعل السفهاء منا) * من العناد وسوء الأدب أو من عبادة العجل، والهمزة إما لإنكار وقوع الإهلاك ثقة بلطف الله عز وجل كما قال ابن الأنباري أو