تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٩ - الصفحة ٧٥
للاستعطاف كما قال المبرد أي لا تهلكنا، وإيا ما كان فهو من مقول موسى عليه السلام كالذب قبله، وقول بعضهم: كان ذلك قاله بعضهم غير ظاهر ولا داعي إليه، والقول بأن الداعي ما فيه من التضجر الذي لا يليق بمقام النبوة لا يخفى ما فيه، ولعل مراد القائل بذلك أن هذا القول من موسى عليه السلام يشبه قول أحد السبعين فكأنه قاله على لسانهم لأنهم الذين أصيبوا بما أصيبوا به دوه فافهم * (إن هي إلا فتنتك) * استئناف مقرر لما قبله واعتذار عما وقع منهم وإن نافية وهي للفتنة المعلومة للسياق أي ما الفتنة إلا فتنتك أي محنتك وابتلاؤك حيث أسمعتهم كلامك فطمعوا في رؤيتك واتبعوا القياس في غير محله أو أوجدت في العجل خوارا فزاغوا به.
أخرج ابن أبي حاتم عن راشد بن سعد أن الله تعالى لما قال لموسى عليه السلام: إن قومك اتخذوا عجلا جسدا له خوار قال: يا رب فمن جعل فيه الروح؟ قال: أنا قال: فأنت أضببتهم يا رب قال: يا رأس النبيين يا أبا الحكماء إني رأيت ذلك في قلوبهم فيسرته لهم، ولعل هذا اشارة إلى الاستعداد الأزلي الغير المجعول. وقيل: الضمير راجع على الرجفة أي ما هي إلا تشديدك التعبد والتكلف علينا بالصبر على ما أنزلته بنا، وروي هذا عن الربيع. وابن جبير. وأبي العالية، وقيل: الضمير لمسألة الإراءة وإن لم تذكر.
* (تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء) * استئناف مبين لحكم الفتنة، وقيل: حال من المضاف إليه أو المضاف أي تضل بسببها من تشاء إضلاله بالتجاوز عن الحد أو باتباع المخايل أو بنحو ذلك وتهدي من تشاء هداه فيقوى بها إيمانه، وقيل: المعنى تصيب بهذه الرجفة من تشاء وتصرفها عمن تشاء، وقيل: تضل بترك الصبر على فتنتك وترك الرضا بها من تشاء عن نيل ثوابك ودخول جنتك وتهدي بالرضا لها والصبر عليها من تشاء وهو كما ترى * (أنت ولينا) * أي أنت القائم بأمورنا الدنيوية والأخروية لا غيرك * (فاغفر لنا) * ما يترتب عليه مؤاخذتك * (وارحمنا) * بإفاضة آثار الرحمة الدنيوية والأخروية علينا، والفاء لترتيب الدعاء على ما قبله من الولاية لأن من شأن من يلى الأمور ويقوم بها دفع الضر وجلب النفع، وقدم طلب المغفرة على طلب الرحمة لأن التخلية أهم من التحلية، وسؤال المغفرة لنفسه عليه السلام في ضمن سؤالها لمن سألها له مما لا ضير فيه وإن لم يصدر منه نحو ما صدر منه كما لا يخفى، والقول بأن إقدامه عليه السلام على أن يقول: * (إن هي إلا فتنتك) * جرأة عظيمة فطلب من الله تعالى غفرانها والتجاوز عنها مما يأباه السوق عند أرباب الذوق، ولا أظن أن الله تعالى عد ذلك ذنبا منه ليستغفره عنه، وفي ندائه السابق ما يؤيد ذلك. * (وأنت خير الغفارين) * إذا كل غافر سواك إنما يغفر لغرض نفساني كحب الثناء ودفع الضرر وأنت تغفر لا لطلب عوض ولا غرض بل لمحض الفضل والكرم، والجملة اعتراض تذييلي مقرر لما قبل، وتخصيص المغفرة بالذكر لأنها الأهم.
وفسر بعضهم ما ذكر بغفران السيئة وتبديلها بالحسنة ليكون تذييلا لأغفر وارحم معا.
* (واكتب لنا فى ه‍اذه الدنيا حسنة وفي الاخرة إنا هدنآ إليك قال عذابىأصيب به من أشآء ورحمتى وسعت كل شىء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكواة والذين هم بااي‍اتنا يؤمنون) *.
* (واكتب لنا) * أي أثبت واقسم لنا * (في هذه الدنيا) * التي عرانا فيها ما عرانا * (حسنة) * حياة طيبة وتوفيقا للطاعة.
وقيل: ثناءا جميلا وليس بجميل، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن المراد اقبل وفادتنا وردنا بالمغفرة والرحمة * (وفي الآخرة) * أي واكتب لنا أيضا في الآخرة حسنة وهي المثوبة الحسنى والجنة.
قيل: إن هذا كالتأكيد لقوله: اغفر وارحم * (إنا هدنا إليك) * أي تبنا إليك من هاد يهود إذا رجع
(٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 ... » »»