فيه الاهتداء فهو المهتدي لا غير كائنا من كان ولا يخلو عن حسن إلا أنه قد يقال: إن الأول أوفق بالمقابل، وإفراد المهتدي لا غير كائنا من كان ولا يخلو عن حسن إلا أنه قد يقال: إن الأول أوفق بالمقابل، وإفراد المهتدي رعاية للفظ * (من) *، وجمع الخاسرين رعاية لمعناها للإيذان بأن الحق واحد وطرق الضلال متشعبة، وفي الآية تصريح بأن الهدى والضلال من الله تعالى فسبحان من أضل المعتزلة.
* (ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم ءاذان لا يسمعون بهآ أولائك ك الأنعام بل هم أضل أولائك هم الغافلون) *.
* (ولقد ذرأنا) * كلام مستأنف مقرر لمضمون ما قبله بطريق التذييل، والذرأ بالهمزة الخلق وبذلك فسره ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وغيره أي والله تعالى لقد خلقنا * (لجهنم كثيرا من الجن والانس) * وهم المصرون على الكفر في علمه سبحانه وتعالى، واللام للعاقبة عند الكثير كما في قوله تعالى: * (ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك) * (يونس: 178) وقول الشاعر: له ملك ينادي كل يوم * لدوا للموت وابنوا للخراب وفي " الكشاف " أنهم جعلوا لإغراقهم في الكفر وشدة شكائمهم فيه وأنه لا يتأتى منهم إلا أفعال أهل النار مخلوقين للنار دلالة على توغلهم في الموجبات وتمكنهم فيما يؤهلهم لدخولها، وأشار إلى أن ذلك تذييل لقصة اليهود بعد ما عد من قبائحهم تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه قيل: إنهم من الذين لا ينجع فيهم الإنذار فدعهم واشتغل بأمر نفسك ومن هو على دينك في لزوم التوحيد، والآية على ما قال من باب الكناية الإيمائية عند القطب قدس سره ويفهم كلامه أن الذي دعا الزمخشري إلى ذلك لزوم كون الكفر مرادا لله تعالى إذا أريد الظاهر وهو خلاف مذهبه، وأنت تعلم أن الكثير من أهل السنة تأولوا الآية بحمل اللام على ما علمت لقوله تعالى: * (وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدوا) * (الذاريات: 56) فإن تعليل الخلق بالعباد يأبى تعليله بجهنم ودخولها، نعم ذهب ابن عطية منا إلى الحمل على الظاهر وكون اللام للتعليل، وادعى أناس أن التأويل مخالف للأحاديث الواردة في الباب كبعض الأحاديث السابقة في آية أخذ الميثاق، وما أخرجه الإمام أحمد في مسنده عن عبد الرحمن بن قتادة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الله تعالى خلق آدم عليه السلام ثم أخذ الخلق من ظهره فقال هؤلاء في الجنة ولا أبالي وهؤلاء في النار ولا أبالي قال قائل: فعلى ماذا العمل؟ قال: على موافقة القدر " وما أخرجه محيي السنة عن عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها قالت: أدرك النبي صلى الله عليه وسلم جنازة صبي من صبيان الأنصار فقلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم طوبى له عصفور من عصافير الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وما يدريك إن الله تعالى خلق الجنة وخلق لها أهلا وهم في أصلاب آبائهم وخلق النار وخلق لها أهلا وهم في أصلاب آبائهم " إلى غير ذلك.
وإلى هذا ذهب الطيبي وأيده بما أيده وادعى أن فائدة القسم التنبيه على قلع شبه من عسى أن يتصدى لتأويل الآية وتحريف النص القاطع، ونقل عن الإمام أن الآية حجة لصحة مذهب أهل السنة في مسألة خلق الأعمال إرادة الكائنات لأنه سبحانه وتعالى صرح بأنه جل وعلا خلق كثيرا من الجن والإنس لجهنم ولا مزيد لبيان الله تعالى، ولا يخفى أن الحمل على الظاهر مخالف لظاهر الآية التي ذكرناها، وفي الكتاب الكريم كثير مما يوافقها على أن التعليل الحقيقي لأفعاله تعالى يمنع عنه في المشهور الإمام الأشعري وأصحابه.
وقال بعض الجلة: المراد بالكثير الذين حقت عليهم الكلمة الأزلية بالشقاوة ولكن لا بطريق الجبر من غير أن يكون من قبلهم ما يؤدي إلى ذلك بل لعلمه سبحانه وتعالى بأنهم لا يصرفون اختيارهم نحو الحق