تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٩ - الصفحة ١١٥
يؤكدان ما عليه أهل السنة أبلغ تأكيد ولكن الزمخشري لا يعبأ بذلك * (فمثله كمثل الكلب) * وهو الحيوان المعروف وجمعه أكلب وكلاب وكلابات كما قال ابن سيده وكليب كعبيد وهو قليل ويجمع أكلب على أكالب؛ وبه يضرب المثل في الخساسة لأنه يأكل العذرة ويرجع في قيئه والجيفة أحب إليه من اللحم الغريض نعم هو أحسن من الرجل السوء، ومما ينسب إلى الشافعي رضي الله تعالى عنه: ليت الكلاب لنا كانت مجاورة * وليتنا ما نرى ممن نرى أحدا إن الكلاب لتهدأ في مرابضها * والناس ليس بهاد شرهم أبدا وفي شعب الإيمان للبيهقي عن الفقيه منصور أنه كان نشد لنفسه: الكلب أحسن عشرة * وهو النهاية في الخساسة ممن ينازع في الريا * سة قبل أوقات الرياسة والمثل بمعنى الصفة كما قال غير واحد فصفته كصفة الكلب، وقيل المراد أنه كالكلب في الخسة * (إن تحمل عليه) * أي شددت عليه وطردته * (يلهث أو تتركه) * على حاله * (يلهث) * أي أنه دائم اللهث على كل حال، واللهث ادلاع اللسان بالنفس الشديد وذلك طبع في الكلب لا يقدر على نغص الهواء المتسخن وجلب الهواء البارد بسهولة لضعف قلبه وانقطاع فؤاده بخلاف سائر الحيوانات فإنها لا تحتاج إلى النفس الشديد ولا يلحقها الكرب والمضايقة إلا عند التعب والإعياء، وإيثار الجملة الاسمية على الفعلية بأن يقال: فصار مثله كمثل الخ للإيذان بدوام اتصافه بتلك الحالة الخسيسة وكمال استمراره عليها، والخطاب في فعلي الشرط لكل أحد ممن له حظ من الخطاب فإنه أدخل في إشاعة فظاعة حاله، والجملتان الشرطيتان قيل لا محل لهما من الإعراب لأنهما تفصيل لما أجمل في المثل وتفسير لما أبهم فيه ببيان وجه الشبه على منهاج قوله تعالى: * (خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون) * (آل عمران: 59) أثر قوله سبحانه وتعالى: * (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم) * (آل عمران: 509) وقيل: إنهما فمحل النصب على الحالية من الكلب بناء على تحولهما إلى معنى التسوية كما تحول الاستفهام إلى ذلك في قوله تعالى: * (سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم) * (البقرة: 6) كأنه قيل لاهثا في الحالين، والجملة الشرطة كما قدمنا تقع حالا مطلقا، وقال صاحب الضوء: إنها لا تكاد تقع كذلك بتمامها بل إذا أريد وقوعها حالا جعلت خبرا عن ذي الحال نحو جاءني زيد وهو أن تسأله يعطك فتجعل جملة اسمية مع الواو لأن الشرط لصدارته لا يكاد يرتبط بما قبله إلا أن يكون هناك فضل قوة. نعم جوز إذا أخرجتها عن حقيقتها سواء عطف عليها النقيض وحينئذ يجب ترك الواو كما فيما نحن فيه أو لم يعطف وحينئذ يجب الواو لئلا يحصل الالتباس بالشرط الحقيقي نحو آتيك وإن لم تأتني، والتشبيه قيل من تشبيه المفرد بالمفرد، وقيل وعليه كثير من المحققين أنه تشبيه للهيئة المنتزعة مما عراه بعد الانسلاخ من سوء الحال واضطرام القلب ودوام القلق والاضطراب وعدم الاستراحة بحال من الأحوال بالهيئة المنتزعة مما ذكر فحال الكلب، وجاء وقد أشرنا إليه سابقا أن بلعام لما دعا على موسى عليه السلام خرج لسانه فتدلى على صدره وجعل يلهث كالكلب إلى أن هلك فوجه الشبه إما عقلي أو حسي * (ذلك) * إشارة إلى وصف الكلب أو المنسلخ من الآيات وما فيه من الإيذان بالبعد لما مر غير مرة.
(١١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 ... » »»