هي أول مجيب من الأرض لما خاطب الله سبحانه السموات والأرض بقوله جل وعلا: * (ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين) * (فصلت: 11) وكانت من تربة الكعبة وهي أول ما خلق من الأرض ومنا دحيت كما جاء عن ابن عباس رض الله تعالى عنهما، وكان يقتضي ذلك أن يكون مدفنه صلى الله عليه وسلم بمكة حيث كانت تربته الشريفة منها، وقد رووا أن المرء يدفن حيث كانت تربته، ولكن قيل: إن الماء لما تموج رمى الزبد إلى النواحي فوقعت درة ذرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما يحاذي مدفنه الكريم بالمدينة، ويستفاد من هذا الكلام أنه عليه الصلاة والسلام هو الأصل في التكوين والكائنات تبع له صلى الله عليه وسلم قل: ولكون ذرته أم الخليقة سمي أميا، وذكر بعضهم أن الباء لكونه أول حرف فتحت الذرة به فمها حين تكلمت لم تزل الأطفال في هذه النشأة ينطقون به في أول أمرهم ولا بدع فكل مولود يولد على الفطرة، قيل: ولعظم ما أودع الله سبحانه وتعالى في الباء من الأسرار افتتح الله تعالى به كتابه بل افتتح كل سورة به لتقدم البسملة المفتتحة به على كل سورة ما عدا التوبة وافتتاحها ببراءة وأول هذه اللفظة الباء أيضا، ولكون الهمزة وتسمى ألفا أول حرف قرع أسماعهم في ذلك المشهد كان أول الحروف لكنه لم يظهر في البسملة لسر أشرنا إليه أول الكتاب والله تعالى الهادي إلى صوب الصواب.
* (واتل عليهم نبأ الذىءاتيناه ءاياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين) *.
* (واتل عليهم) * تعطف على المضمر العامل في * (إذ أخذ) * وارد على نمط الأنباء عن الحور بعد الكور، أي واقرأ على اليهود أو على قومك كما في الخازن * (نبأ الذي ءاتيناه ءاياتنا) * أي خبره الذي له شأن وخطر، وهو كما روى ابن مردويه وغيره من طرق عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بلعم بن باعوراء وفي لفظ بلعام بن باعر وكان من الكنعانيين، وفي رواية عنه. وعن أبي طلحة أنه من بني إسرائل، وأخرج ابن عساكر عن ابن شهاب أنه أمية بن أبي الصلت.
وأخرج أبو الشخ عن الحبر أنه رجل من بني إسرائيل له زوجة تدعى البسوس، وفي رواية أخرى أخرجها ابن أبي حاتم عنه أنه النعمان بن صيفي الراهب، وكونه إسرائيليا أنسب بالمقام كما لا يخفى، والأشهر أنه بلعام أو بلعم وكان قد أوتي علما ببعض كتب الله تعالى، ودون ذلك في الشهرة أنه أمية وكان قد قرأ بعض الكتب * (فانسلخ منها) * أي من تلك الآيات انسلاخ الجلد من الشاة، والمراد أنه خرج منها بالكلية بأن كفر بها ونبذها وراء ظهره، وحقيقة السلخ كشط الجلد وإزالته بالكلية عن المسلوخ عنه، ويقال لكل شيء فارق شيئا على أتم وجه انسلخ منه، وف التعبير به ما لا يخفى من المبالغة، واستأنس بعضهم بهذه الآية لأن العلم لا ينزع من الرجال حيث قال سبحانه وتعالى: * (فانسلخ منها) * ولم يقل عز شأنه فانسلخت منه * (فأتبعه الشيطان) * أي لحقه وأدركه كما قال الراغب بعد أن لم يكن مدركا له لسبقه بالإيمان والطاعة، وقال الجوهري يقال: أتبعت القوم إذا سبقوك فلحقتهم وكأن المعنى جعلتهم تابعين لي بعد ما كنت تابعا لهم، وفيه حينئذ مبالغة في اللحوق إذ جعل كأنه إمام للشيطان والشيطان يتبعه وهو من الذم بمكان، ونظيره في ذلك قوله: وكان فتى من جند إبليس فارتقى * به الحال حتى صار إبليس من جنده وصرح بعضهم بأن معناه استتبعه أي جعله تابعا له، وهو على ما قيل متعد لمفعولين حذف ثانيهما أي أتبعه خطواته. وقرىء * (فاتبعه) * من الافتعال * (فكان من الغاوين) * فصار من زمرة الضالين الراسخين في الغواية بعد أن كان مهتديا، وكيفية ذلك على القول بأنه بلعام أن موسى عليه السلام لما قصد