توحيد الأفعال * (والإنجيل) * فتعطوا الباطن حقه وتعملوا بالطريقة على الوجه الأتم مع توحيد الصفات * (وما أنزل إليكم) * فتعطوا الحقيقة حقها وتشاهدوا الكثرة في عين الوحدة والوحدة في عين الكثرة ولا تحجبكم الكثرة عن الوحدة ولا الوحدة عن الكثرة * (وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا) * لجهلهم به وقلة استعدادهم لمعرفة أسراره. وعن بعد السادة قدس الله تعالى أسرارهم أن القرآن المنزل على النبي المرسل صلى الله عليه وسلم ذو صفتين: صفة قهر وصفة لطف فمن تجلى له القرآن بصفة اللطف يزيد نور بصيرته بلطائف حكمته وحقائق أسراره ودقائق بيانه ويزيد بذلك نور إيمانه وتوحيده ويعرف بذلك ظاهر الخطاب وباطنه، ومن يتجلى له بصفة القهر تزيد ظلمة طغيانه وينسد عليه باب عرفانه بحيث لا يدرك سر الخطاب فتكثر عليه الشكوك والأوهام، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: * (هدى للمتقين) * (البقرة: 2) وقوله سبحانه: * (يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين) * (البقرة: 26) وشبه بعضهم ذلك بنور الشمس فإنه ينتفع به من ينتفع ويتضرر به الخفاش ونحوه.
ومن ذلك كتب كثير من الصوفية قدس الله تعالى أسرارهم فإنه قد هدى بها أرباب القلوب الصافية وضل بها الكثير حتى تركوا الصلاة واتبعوا الشهوات وعطلوا الشرائع واستحلوا المحرمات وزعموا والعياذ بالله تعالى أن ذلك هو الذي يقتضيه القول بوحدة الوجود التي هي معتقد القوم نفعنا الله تعالى بفتوحاتهم، وقد نقل لي عن بعض من أضله الله تعالى بالاشتغال بكتب القوم ممن لم يقف على حقيقة الحال أنه لا فرق بين أن يدخل الرجل أصبعه في فمه وبين أن يدخل ذكره في فرج محرم لأن الكل واحد، وكذا لا فرق بين أن يتزوج أجنبية وبين أن يتزوج أمه أو بنته أو أخته وهذا كفر صريح عافانا الله تعالى والمسلمين منه، ومنشأ ذلك النظر في كتب القوم من دون فهم لمرادهم وما درى هذا المسكين أن مراعاة المراتب أمر واجب عندهم وأن ترك ذلك زندقة وأنهم قد صرحوا بأن الشريعة مظهر أعظم لأنها مظهر اسم الله تعالى الظاهر وأنه لا يمكن لأحد أن يصل إلى الله تعالى بإهمالها، فقد جاء عن غير واحد من العارفين الطرق إلى الله تعالى مسدودة إلا على ما اقتفى أثر الرسول صلى الله عليه وسلم وإذا رأيتم الرجل يطير في الهواء وقد أخل بحكم واحد من الشريعة فقولوا: إنه زنديق ولله در من قال خطابا للحضرة المحمدية: وأنت باب الله أي أمرء * أتاه من غيرك لا يدخل * (ولتجدن أشد الناس عداوة للذين ءامنوا) * الايمان الحقيقي اليهود وذلك لقوة المباينة لأنهم محجوبون عن توحيد الصفات وتوحيد الذات ولم يكن لهم إلا توحيد الأفعال * (والذين أشركوا) * كذلك بل هم أشد مباينة منهم للمؤمنين وأقوى لأنهم محجوبون مطلقا، وإنما قدم اليهود عليهم لأن البحث فيهم، وهذا خلاف ما عليه أهل العبارة * (ولتجدن أقربهم مودة للذين ءامنوا الذين قالوا إنا نصارى) * لأنهم برزوا من حجاب الصفات ولم يبق لهم إلا حجاب الذات، وإلى هذا الإشارة بقوله سبحانه وتعالى: * (ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون) * (المائدة: 82) حيث مدحوا بالعلم والعمل وعدم الاستكبار، وذلك يقتضي أنهم وصلوا إلى توحيد الأفعال والصفات وأنهم ما رأوا نفوسهم موصوفة بصفة العلم والعمل ولا نسبوا عملهم وعلمهم إليها بل إلى الله تعالى وإلا لاستكبروا وأظهروا العجب * (وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول) * من أنواع التوحيد التي