سؤال نشأ من حكاية حالهم عند سماع القرآن كأنه قيل: ماذا يقولون؟ فأجيب يقولون: * (ربنا ءامنا) * بما أنزل أو بمن أنزل عليه أو بهما.
وقال أبو البقاء: إنه حال من الضمير في * (عرفوا) *، وقال السمين: يجوز الأمران وكونه حالا من الضمير المجرور في * (أعينهم) * لما أن المضاف جزؤه كما في قوله تعالى: * (ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا) * (الحجر: 47). * (فاكتبنا مع الشاهدين) * أي اجعلنا عندك مع محمد صلى الله عليه وسلم وأمته الذين يشهدون يوم القيامة على ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه أو مع الذين يشهدون بحقية نبيك صلى الله عليه وسلم وكتابك كما نقل الجبائي وروي ما بمعناه عن الحسن.
* (وما لنا لا نؤمن بالله وما جآءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين) *.
* (وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق) * جعله جماعة ومنهم شيخ الإسلام كلاما مستأنفا تحقيقا لإيمانهم وتقريرا له بإنكار سبب انتفائه ونفيه بالكلية على أن * (لا نؤمن) * حال من الضمير في * (لنا) * والعامل على ما فيه من معنى الاستقرار أي أي شيء حصل لنا غير مؤمنين والإنكار متوجه إلى السبب والمسبب جميعا كما في قوله تعالى: * (ومالي لا أعبد الذي فطرني) * (يس: 22) ونظائره لا إلى السبب فقط مع تحقق المسبب كما في قوله تعالى: * (فما لهم لا يؤمنون) * (الانشقاق: 20) وأمثاله، وقيل: هو معطوف على الجملة الأولى مندرج معها في حيز القول أي يقولون ربنا آمنا الخ ويقولون ما لنا لا نؤمن الخ، وقيل: هو عطف على جملة محذوفة والتقدير ما لكم لا تؤمنون بالله وما لنا لا نؤمن نحن بالله الخ. وقال بعضهم: إنه جواب سائل قال: لم آمنتم؟ واختاره الزجاج.
واعترض بأن علماء العربية صرحوا بأن الجملة المستأنفة الواقعة جواب سؤال مقدر لا تقترن بالواو وذكر علماء المعاني أنه لا بد فيها من الفصل إذ الجواب لا يعطف على السؤال، وأجيب بأن الواو زائدة وقد نقل الأخفش أنها تزاد في الجمل المستأنفة، ولا يخفى أنه لا بد لذلك من ثبت، والحال المذكورة على ما نص عليه الشهاب لازمة لا يتم المعنى بدونها قال: ولذا لا يصح اقترانها بالواو في مالنا وما بالنا لا نفعل كذا لأنها خبر في المعنى وهي المستفهم عنها. وأنت تعلم أن الاستفهام في نحو هذا التركيب في الغالب غير حقيقي وإنما هو للإنكار ويختلف المراد منه على ما أشرنا إليه، ومعنى الإيمان بالله تعالى الإيمان بوحدانيته سبحانه على الوجه الذي جاءت به الشريعة المحمدية فإن القوم لم يكونوا موحدين كذلك، وقيل: بكتابه ورسوله صلى الله عليه وسلم فإن الإيمان بهما إيمان به سبحانه والظاهر هو الأول، والإيمان بالكتاب والرسول صلى الله عليه وسلم يفهمه العطف فإن الموصول المعطوف على الاسم الجليل يشمل ذلك قطعا. و * (من الحق) * على ما ذكره أبو البقاء حال من ضمير الفاعل، وجوز أن تكون (من (لابتغاء الغاية أي وبما جاءنا من عند الله وأن يكون الموصول مبتدأ و * (من الحق) * خبره والجملة في موضع الحال أيضا، ولا يخفى ما في الوجهين من البعد.
وقوله تعالى: * (ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين) * حال أخرى عند الجماعة من الضمير المتقدم بتقدير مبتدأ لأن المضارع المثبت لا يقترن بالواو والعامل فيها هو العامل في الأولى مقيد بها فيتعدد معنى كما قيل نحو ذلك في قوله تعالى: * (كلما رزقوا منها من ثمرة) * (البقرة: 25) أي أي شيء حصل لنا غير مؤمنين ونحن نطمع في صحبة الصالحين وهي حال مترادفة ولزوم الأولى لا يخرجها عن الترادف أو حال من الضمير في * (لا نؤمن) * على معنى أنهم أنكروا على أنفسهم عدم إيمانهم مع أنهم يطمعون في صحبة المؤمنين، وجوز فيه أن يكون معطوفا على * (نؤمن) * أو على * (لا نؤمن) * على معنى وما لنا نجمع بين