تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٧ - الصفحة ٣٤
منها بوصف الرضا والتسليم، والحرام ما قدر لغيره وهو يجتهد في طلبه لنفسه * (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) * وهو الحلف لملالة النفس وكلالة القوى وغلبة سلطان الهوى، وعدوا من اللغو في اليمين الإقسام على الله تعالى بحماله وجلاله سبحانه عند غلبة الشوق ووجدان الذوق أن يرزقه شيئا من إقباله عز وجل ووصاله فإن ذلك لغو في شريعة الرضا ومذهب التسليم. والذي يقتضيه ذلك ما أشير إليه بقوله:
أريد وصاله ويريد هجري * فاترك ما أريد لما يريد لكن لا يؤاخذ الله تعالى عليه الحالف لعلمه بضعف حاله. وعدوا من ذلك أيضا ما يجري على لسان السالكين في غلبة الوجد من تجديد العهد وتأكيد العقد كقول بعضهم: و حقك لا نظرت إلى سواكا * بعين مودة حتى أراكا فإن ذلك ينافي التوحيد وهل في الدار ديار كلا بل هو الله الواحد القهار * (ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان) * وذلك إذا عزمتم على الهجران وتعرضتم للخذلان عن صميم الفؤاد * (فكفارته إطعام عشرة مساكين) * وهي على ما قال البعض الحواس الخمس الظاهرة والحواس الخمس الباطنة * (من أوسط ما تطعمون أهليكم) * وهم القلب والسر والروح والخفي، وطعامهم الشوق والمحبة والصدق والإخلاص والتفويض والتسليم والرضا والأنس والهيبة والشهود والكشوف والأوسط الذكر والفكر والشوق والتوكل والتعبد والخوف والرجاء، وإطعام الحواس ذلك أن يشغلها به * (أو كسوتهم) * لباس التقوى * (أو تحرير رقبة) * وهي رقبة النفس فيحررها من عبودية الحرص والهوى * (فمن لم يجد) * ولم يستطع * (فصيام ثلاثة أيام) * (المائدة: 89) فيمسك في اليوم الأول عما عزم عليه وفي اليوم الثاني عما لا يعنيه وفي اليوم الثالث عن العود إليه، وقيل كنى سبحانه بصيام ثلاثة أيام عن التوبة والاستقامة عليها ما دامت الدنيا، فقد قيل: الدنيا ثلاثة أيام: يوم مضى ويوم أنت فيه ويوم لا تدري ما الله سبحانه قاض فيه * (وأطيعوا الله) * بالفناء فيه * (وأطيعوا الرسول) * بالبقاء بعد الفناء * (واحذروا) * ظهور ذلك بالنظر إلى نفوسكم * (فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ) * (المائدة: 92) ولم يقصر فيه فالقصور منكم * (ليس على الذين آمنوا) * بالتقليد * (وعملوا الصالحات) * الأعمال البدنية الشرعية * (جناح فيما طعموا) * من المباحات * (إذا ما اتقوا) * الشبهة والإسراف * (وآمنوا) * بالتحقيق * (وعملوا الصالحات) * الأعمال القلبية الحقيقية من تخلية القلب عما سواه سبحانه ومن تحليته بالأحوال المضادة لهواه من الصدق والإخلاص والتوكل والتسليم ونحو ذلك * (ثم اتقوا) * شرك الأنانية * (وآمنوا) * بالهوية * (ثم اتقوا) * هذا الشرك وهو الفناء * (وأحسنوا) * بالبقاء به جل شأنه قاله النيسابوري. وقال غيره: ليس على الذين آمنوا الإيمان العيني بتوحيد الأفعال وعملوا بمقتضى إيمانهم أعمالا تخرجهم عن حجب الأفعال وتصلحهم لرؤية أفعال الحق جناح وضيق فيما تمتعوا به من أنواع الحظوظ إذا ما اجتنبوا بقايا أفعالهم واتخذوا الله تعالى وقاية في صدور الأفعال منهم وآمنوا بتوحيد الصفات وعملوا ما يخرجهم عن حجبها ويصلحهم لمشاهدة الصفات الإلهية بالمحو فيها ثم اتقوا بقايا صفاتهم واتخذوا الله تعالى وقاية في ظهور صفاته عليهم وآمنوا بتوحيد الذات ثم اتقوا بقية ذواتهم واتخذوا الله تعالى وقاية في وجودهم بالفناء المحض والاستهلاك في عين الذات وأحسنوا بشهود التفصيل في عين الجمع والاستقامة في البقاء بعد الفناء * (والله يحب المحسنين) * (المائدة: 93) الباقين بعد فنائهم أو المشاهدين للوحدة في عين الكثرة المراعين لحقوق التفاصيل في عين الجمع بالوجود الحقاني * (يا أيها الذين آمنوا) * بالغيب * (ليبلونكم) * في أثناء السير والإحرام
(٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 ... » »»