تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٧ - الصفحة ٣٣
عليه الصلاة والسلام لم يجب بحله لهم حتى سألهم عن موانع الحل أكانت موجودة أم لا؟ فلو كان من الموانع أن يصاد لهم لنظمه صلى الله عليه وسلم في سلك ما يسأل عنه منها في التفحص عن الموانع ليجيب بالحل عند خلوه عنها. وهذا المعنى كالصريح في نفي كون الاصطياد مانعا فيعارض حديث جابر ويقدم عليه لقوة ثبوته إذ هو في " الصحيحين " وغيرهما من " الكتب الستة " بخلاف ذلك بل قيل في حديث جابر انقطاع لأن المطلب في سنده لم يسمع من جابر عند غير واحد، وكذا في رجاله من فيه لين، وبعد ثبوت ما ذهبنا إليه بما ذكرنا يقوم دليل على ما ذكر من التأويل انتهى. وأنت تعلم أن في حديث جابر أيضا شيئا من جهة العربية ولعل الأمر فيه سهل. بقي أن حديث الصعب بظاهره يعارض ما استدل به أهل المذهبين الأخيرين، واختار بعض الحنفية في الجواب بأن فيه اضطرابا ليس مثله في حديث قتادة حتى روى عمرو بن أمية الضمري عن أبيه أن الصعب أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم عجز حمار وحش بالجحفة فأكل منه عليه الصلاة والسلام وأكل القوم فكان حديث قتادة أولى وقد وقع ما وقع فيه في الحج كما تحكيه الرواية التي ذكرناها، ومعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحج بعد الهجرة إلا حجة الوداع، وقال الشافعي رضي الله تعالى عنه في الجواب: يحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم علم أنه صيد له فرده عليه فلا يعارض حديث جابر، وتعليله عليه الصلاة والسلام الرد بأنه محرم لا يمنع من كونه صيد له لأنه إنما يحرم الصيد على الإنسان إذا صيد له بشرط أن يكون محرما، فبين صلى الله عليه وسلم الشرط الذي يحرم به، وقيل: إن جابرا إنما أهدى حمارا فرده صلى الله عليه وسلم لامتناع تملك المحرم الصيد، ولا يخفى أن الروايات الدالة على البعضية أكثر ولا تعارض بينها فتحمل رواية أنه أهدى حمارا على أنه من إطلاق اسم الكل على البعض ويمتنع هنا العكس إذ إطلاق الرجل مثلا على كل الحيوان غير معهود، وقد صرحوا أنه لا يجوز أن يطلق على زيد أصبع ونحوه لأن شرط إطلاق اسم البعض على الكل التلازم كالرقبة والرأس على الإنسان فإنه لا إنسان دونهما بخلاف نحو الرجل والظفر، وأما إطلاق العين على الرؤية فليس من حيث هو إنسان بل من حيث هو رقيب وهو من هذه الحيثية لا يتحقق بلا عين أو هو أحد معاني المشترك اللفظي كما عده كثير منها فليتيقظ.
* (واتقوا الله) * فيما نهاكم عنه من الصيد أو في جميع المعاصي التي من جملتها ذلك * (الذي إليه تحشرون) * لا إلى غيره حتى يتوهم الخلاص من أخذه تعالى بالالتجاء إلى ذلك الغير.
هذا ومن باب الإشارة في الآيات: * (يا أيها الذين آمنوا) * إيمانا علميا * (لا تحرموا) * بتقصيركم في السلوك * (طيبات ما أحل الله لكم) * من مكاشفات الأحوال وتجليات الصفات * (ولا تعتدوا) * (المائدة: 87) بظهور النفس بصفاتها * (وكلوا مما رزقكم الله) * أي اجعلوا ما من الله تعالى به عليكم من علوم التجليات ومواهب الأحوال والمقامات غذاء قلوبكم * (حلالا طيبا واتقوا الله) * (المائدة: 88) في حصول ذلك لكم بأن تردوها منه وله، وجعل غير واحد هذا خطابا للواصلين من أرباب السلوك حيث أرادوا الرجوع إلى حال أهل البدايات من المجاهدات فنهوا عن ذلك وأمروا بأكل الحلال الطيب، وفسروا الحلال بما وصل إلى المعارف من خزائن الغيب بلا كلفة، والطيب ما يقوي القلب في شوق الله تعالى وذكر جلاله، وقيل: الحلال الطيب ما يأكل على شهود وإلا فعلى ذكر، فإن الأكل على الغفلة حرام في شرع السلوك، وقال آخرون: الحلال الطيب هو الذي يراه العارف في خزانة القدر فيأخذه
(٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 ... » »»