وقوله سحبانه: * (أو عدل ذالك صياما) * عطف على * (طعام) * وذلك إشارة إليه و * (صياما) * تمييز. وخلاصة الآية كأنه قيل: فعليه جزاء أو فالواجب جزاء مماثل للمقتول هو من النعم أو طعام مساكين أو صيام بعددهم فحينئذ تكون المماثلة وصفا لازما للجزاء يقدر به الهدي والطعام والصيام. أما الأولان فبلا واسطة، وأما الثالث: فبواسطة الثاني فيختار الجاني كلا منها بدلا عن الآخرين، " وكون الاختيار للجاني هو ما ذهب إليه أبو حنيفة وأبو يوسف رضي الله تعالى عنهما فعندهما إذا ظهر قيمة الصيد بحكم الحكمين وهي تبلغ هديا فله الخيار في أن يجعله هديا أو طعاما أو صوما لأن التخيير شرع رفقا بمن عليه فيكون الخيار إليه ليرتفق بما يختار كما في كفارة اليمين. وقال محمد - وحكاه أصحابنا عن الشافعي رضي الله تعالى عنه أيضا - إن الخيار إلى الحكمين في تعيين أحد الأشياء فإن حكما بالهدي يجب النظير على ما مر وإن حكما بالطعام أو الصيام فعلى ما قاله الإمام وصاحبه من اعتبار القيمة من حيث المعنى. واستدل كما قيل على ذلك بالآية، ووجهه أنه ذكر الهدي منصوبا على أنه تفسير للضمير المبهم العائد على * (مثل) * في قوله تعالى: * (يحكم به ذوا عدل) * سواء كان حالا منه كما قدمنا أو تمييزا على ما قيل فيثبت أن المثل إنما يصير هديا باختيارهما وحكمهما أو هو مفعول لحكم الحاكم على أن يكون بدلا عن الضمير محمولا على محله كما في قوله تعالى: * (قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما) * (الأنعام: 161) وفي ذلك تنصيص على أن التعيين إلى الحكمين ثم لما ثبت ذلك في الهدي ثبت في الطعام والصيام لعدم القائل بالفصل لأنه سبحانه عطفهما عليه بكلمة (أو) وهي عند غير الشعبي والسدي وابن عباس رضي الله تعالى عنهم في رواية للتخيير فيكون الخيار إليهما. وأجاب عن ذلك غير واحد من أصحابنا بأن الاستدلال إنما يصح لو كان كفارة معطوفة على * (هديا) * وليس كذلك لاختلاف إعرابهما وإنما هي معطوفة على قوله تعالى: * (فجزاء) * بدليل أنه مرفوع وكذا قوله: * (أو عدل) * الخ فلم يكن في الآية دلالة على اختيار للحكمين في الطعام والصيام وإذا لم يثبت الخيار فيهما للحكمين لم يثبت في الهدي لعدم القائل بالفصل وإنما يرجع إليهما في (تقديم) المتلف لا غير، ثم الاختيار بعد ذلك إلى من عليه " رفقا به على أن في توجيه الاستدلال على ما قاله أكمل الدين في " العناية " إشكالا لأن ذكر الطعام والصيام بكلمة (أو) لا يفيد المطلوب إلا إذا كان (كفارة) منصوبا على ما هو قراءة عيسى بن عمر النحوي وهي شاذة، والشافعي لا يرى الاستدلال بالقراءة الشاذة لا من حيث إنها كتاب ولا من حيث إنها خبر كما عرف في الأصول.
واعترض مولانا شيخ الإسلام على عطف * (كفارة) * على (جزاء) وقد ذهب إليه أجلة المفسرين والفقهاء بأنه لا يبقى حينئذ في النظم الكريم ما يقدر به الطعام والصيام، والالتجاء إلى القياس على الهدي تعسف لا يخفى وقد علمت ما اختاره. والآية عليه أيضا لا تصلح دليلا على مدعى الخصم كما هو ظاهر على أن الظاهر منها كما قاله ابن الهمام أن الاختيار لمن عليه فإن مرجع ضمير المحذوف من الخبر أو متعلق المبتدأ إليه بناء على أن التقدير فعليه أو فالواجب عليه، " ثم إذا وقع الاختيار على الهدي يهدي ما يجزيه في الأضحية وهو الجذع الكبير من الضأن أو الثني من غيره عند أبي حنيفة لأن مطلق اسم الهدي ينصرف إليه " (3) كما في هدي المتعة والقران. واعترض عليه بأن اسم الهدي قد ينصرف إلى غيره كما إذا قال: إذا فعلت كذا فثوبي هذا هدي فليكن في محل النزاع كذلك. وأجيب بأن الكلام في مطلق الهدي وما ذكر ليس كذلك لأن الإشارة