ما سلكت طريقتكم بالفرض والتقدير وتبين بطلانها تبيينا تاما كما شاهدتموه، وعلى القولين لا يقتضي سبق ضلال له عليه الصلاة والسلام وجهل بمعرفة ربه جل وعلا و * (هدان) * يرسم - كما قال الأجهوري - بلا ياء.
* (ولا أخاف ما تشركون به) * جواب كما روى عن ابن جريج عما خوفوه عليه السلام من إصابة مكروه من جهة معبودهم الباطل كما قال لهود عليه السلام قومه * (إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء) * (هود: 54) وهذا التخويف قيل: كان على ترك عبادة ما يعبدونه، وقيل: بل على الاستخفاف به واحتقاره بنحو الكسر والتنقيص. قيل: ولعل ذلك حين فعل بآلهتهم ما فعل مما قص الله تعالى علينا، وفي بعض الآثار أنه عليه السلام لما شب وكبر جعل آزر يصنع الأصنام فيعطيها له ليبيعها فيذهب وينادي من يشتري ما يضره ولا ينفعه فلا يشتريها أحد فإذا بارت ذهب بها إلى نهر وضرب فيه رؤوسها وقال لها اشربي استهزاء بقومه حتى فشا فيهم استهزاؤه فجادلوه حينئذ وخوفوه. و (ما) موصولة إسمية حذف عائدها، والضمير المجرور لله تعالى أي لا أخاف الذي تشركونه به سبحانه، وجوز أن يكون عائدا إلى الموصول والباء سببية أي: الذي تشركون بسببه، وأن تكون نكرة موصوفة وأن تكون مصدرية.
وقوله تعالى: * (إلا أن يشاء ربي شيئا) * بتقدير الوقت عند غير واحد مستثنى من أعم الأوقات استثناء مفرغا. وقال بعضهم: إن المصدر منصوب على الظرفية من غير تقدير وقت، ومنع ذلك ابن الأنباري مفرقا بين المصدر الصريح فيجوز نصبه على الظرفية وغير الصريح فلا يجوز فيه ذلك. وابن جني لا يفرق بين الصريح وغيره ويجوز ذلك فيهما على السواء، والاستثناء متصل في رأي. و * (شيئا) * مفعول به أو مفعول مطلق أي لا أخاف ما تشركون به في وقت من الأوقات إلا في وقت مشيئته تعالى شيئا من إصابة مكروه لي من جهتها أو شيئا من مشيئته تعالى إصابة مكروه لي من جهتها وذلك إنما هو من جهته تعالى من غير دخل لآلهتكم في إيجاده وإحداثه. وجوز بعضهم أن يكون الاستثناء منقطعا على معنى ولكن أخاف أن يشاء ربي خوفي ما أشركتم به، وفي التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره عليه السلام إشارة إلى أن مشيئته تلك إن وقعت غير خالية عن مصلحة تعود إليه بالتربية أو إظهار منه عليه الصلاة والسلام لانقياده لحكمه سبحانه وتعالى واستسلام لأمره واعتراف بكونه تحت ملكوته وربوبيته تعالى.
* (وسع ربي كل شيء علما) * كأنه تعليل للاستثناء أي أحاط بكل شيء علما فلا يبعد أن يكون في علمه سبحانه إنزال المكروه بي من جهتها بسبب من الأسباب، ونصب * (علما) * على التمييز المحول عن الفاعل، وجوز أن يكون نصبا على المصدرية لوسع من غير لفظه، وفي الإظهار في موضع الإضمار تأكيد للمعنى المذكور واستلذاذ بذكره تعالى.
* (أفلا تتذكرون) * أي أتعرضون بعدما أوضحته لكم عن التأمل في أن آلهتكم بمعزل عن القدرة على شيء ما من النفع أو الضر فلا تتذكرون أنها غير قادرة على إضراري. وفي إيراد التذكر دون التفكر ونحوه إشارة إلى أن أمر آلهتكم مركوز في العقول لا يتوقف إلا على التذكير.
* (وكيف أخاف مآ أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأى الفريقين أحق بالامن إن كنتم تعلمون) *.
* (وكيف أخاف ما أشركتم) * استئناف - كما قال شيخ الإسلام - مسوق لنفي الخوف عنه عليه السلام بحسب زعم الكفرة بالطريق الإلزامي بعد نفيه عنه بحسب الواقع ونفس الأمر؛ والاستفهام