كان كذلك لم يصلح للإلهية ثم قال: فكلمة * (لا أحب الآفلين) * مشتملة على نصيب المقربين وأصحاب اليمين وأصحاب الشمال فكانت أكمل الدلائل وأفضل البراهين. وهناك أيضا دقيقة أخرى وهو أنه عليه السلام إنما كان يناظرهم وهم كانوا منجمين ومذهب أهل النجوم أن الكوكب إذا كان في الربع الشرقي وكان صاعدا إلى وسط السماء كان قويا عظيم التأثير أما إذا كان غريبا وقريبا من الأفول فإنه يكون ضعيف الأثر قليل القوة فنبه بهذه الدقيقة على أن الإله هو الذي لا تتغير قدرته إلى العجز وكماله إلى النقصان، ومذهبكم أن الكوكب حال كونه في الربع الغربي يكون ضعيف القوة ناقص التأثير عاجزا عن التدبير وذلك يدل على القدح في إلهيته. ويظهر من هذا أن للأفول على قول المنجمين مزيد خاصية في كونه موجبا للقدح في إلهيته ".
ولا يخفى أن فهم الهوى في حضيض الإمكان من * (فلما أفل) * (الأنعام: 77) في هذه الآية مما لا يكاد يسلم، وكون المراد فلما تحقق إمكانه لظهور أمارات ذلك من الجسمية والتحيز مثلا قال الخ لا يخفى ما فيه، نعم فهم هذا المعنى من * (لا أحب الآفلين) * (الأنعام: 76) ربما يحتمل على بعد، ونقل عن حجة الإسلام الغزالي أنه " حمل الكوكب على النفس الحيوانية التي لكل كوكب والقمر على النفس الناطقة التي لكل فلك، والشمس على العقل المجرد الذي لكل فلك، وعن بعضهم أنه حمل الكوكب على الحس، والقمر على الخيال والوهم والشمس على العقل، والمراد أن هذه القوى المدركة قاصرة متناهية القوة ومدبر العالم مستولي عليها قاهر لها " وهو خلاف الظاهر أيضا، وسيأتي إن شاء الله تعالى في باب الإشارة نظير ذلك، وإنما لم يقتصر عليه السلام في الاحتجاج على قومه بأفول الشمس مع أنه يلزم من امتناع صفة الربوبية فيها لذلك امتناعها في غيرها من باب أولى.
وفيه أيضا رعاية الإيجاز والاختصار ترقيا من الأدون إلى الأعلى مبالغة في التقرير والبيان على ما هو اللائق بذلك المقام ولم يحتج عليهم بالجسمية والتحيز ونحوهما مما يدركه الرائي عند الرؤية في أمارات الحدوث والإمكان اختيارا لما هو أوضح من ذلك في الدلالة وأتم، ثم إنه عليه السلام لما تبرأ مما تبرأ منه توجه إلى مبدع هذه المصنوعات وموجودها [بم فقال:
* (إنى وجهت وجهى للذى فطر السماوات والارض حنيفا ومآ أنا من المشركين) *.
* (إني وجهت وجهي للذي فطر) * أي أوجد وأنشأ * (السماوات) * التي هذه الأجرام من أجزائها * (والأرض) * التي تلك الأصنام من أجزائها * (حنيفا) * أي مائلا عن الأديان الباطلة والعقائد الزائغة كلها * (وما أنا من المشركين) * أصلا في شيء من الأقوال والأفعال، والمراد من توجيه الوجه للذي فطر الخ قصده سبحانه بالعبادة. وقال الإمام: " المراد وجهت عبادتي وطاعتي، وسبب جواز هذا المجاز أن من كان مطيعا لغيره منقادا لأمره فإنه يتوجه بوجهه إليه فجعل توجه الوجه إليه كناية عن الطاعة " والظاهر أن اللام صلة وجه. وفي " الصحاح " " وجهت وجهي لله وتوجهت نحوك وإليك "، ظاهره التفرقة بين وجه وتوجه باستعمال الأول باللام والثاني بإلى، وعليه وجه اللام هنا دون إلى ظاهر، وليس في " القاموس " تعرض لهذا الفرق. وادعى " الإمام أنه حيث كان المعنى توجيه وجه القلب إلى خدمته تعالى وطاعته لأجل عبوديته لا توجه القلب إليه جل شأنه لأنه متعال عن الحيز والجهة تركت إلى واكتفى باللام فتركها. والاكتفاء باللام ههنا دليل ظاهر على كون المعبود متعاليا عن الحيز والجهة " وفي القلب من ذلك شيء.
فإن قيل: إن قصارى ما يدل عليه الدليل أن الكوكب