تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٦ - الصفحة ٧٦
ثبوته في كلامهم - يدل على قصور تتبعه، ومن هنا قالوا: المثبت مقدم على النافي، وعن الثاني: بأنا لا نسلم أنه إنما يصار إليه عند أمن الالتباس ولا نقل في ذلك عن النحاة في الكتب المعتمدة، نعم قال بعضهم: شرط حسنه عدم الالتباس مع تضمن نكتة وهو هنا كذلك لأن الغاية دلت على أن هذا المجرور ليس بممسوح إذ المسح لم يوجد مغيا في كلامهم، ولذا لم يغي في آية التيمم، وإنما يغيا الغسل، ولذا غيي في الآية حين احتيج إليه فلا يرد أنه لم يغي غسل الوجه لظهور الأمر فيه، ولا قول المرتضى: إنه لا مانع من تغييه، والنكتة فيه الإشارة إلى تخفيف الغسل حتى كأنه مسح، وعن الثالث: بأنهم صرحوا بوقوعه في النعت كما سبق من الأمثلة، وقوله تعالى: * (عذاب يوم محيط) * (هود: 84) بجر * (محيط) * مع أنه نعت للعذاب، وفي التوكيد كقوله: ألا بلغ ذوي الزوجات (كلهم) * أن ليس وصل إذا انحلت عرى الذنب بجر - كلهم - على ما حكاه الفراء، وفي العطف كقوله تعالى: * (وحور عين * كأمثال اللؤلؤ المكنون) * (الواقعة: 22، 23) على قراءة حمزة والكسائي. وفي رواية المفضل عن عاصم فإنه مجرور بجوار أكواب وأباريق ومعطوف على * (ولدان مخلدون) * (الواقعة: 17)، وقول النابغة: لم يبق إلا أسير غير منفلت * (وموثق) في حبال القد مجنوب بجر - موثق - مع أن العطف على أسير، وقد عقد النحاة لذلك بابا على حدة لكثرته ولما فيه من المشاكلة؛ وقد كثر في الفصيح حتى تعدوا عن اعتباره في الإعراب إلى التثنية والتأنيث وغير ذلك، وكلام ابن الحاجب في هذا المقام لا يعبأ به، وعن الرابع: بأن لزوم الفصل بالجملة إنما يخل إذا لم تكن جملة * (وامسحوا برءوسكم) * متعلقة بجملة المغسولات فإن كان معناها. وامسحوا الأيدي بعد الغسل برؤوسكم فلا إخلال - كما هو مذهب كثير من أهل السنة - من جواز المسح ببقية ماء الغسل، واليد المبلولة من المغسولات، ومع ذلك لم يذهب أحد من أئمة العربية إلى امتناع الفصل بين الجملتين المتعاطفتين، أو معطوف ومعطوف عليه، بل صرح الأئمة بالجواز، بل نقل أبو البقاء إجماع النحويين على ذلك، نعم توسط الأجنبي في كلام البلغاء يكون لنكتة وهي هنا ما أشرنا إليه، أو الإيماء إلى الترتيب، وكون الآية من قبيل ما ذكر من المثال في حيز المنع، وربما تكون كذلك لو كان النظم - وامسحوا رؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين - والواقع ليس كذلك.
وقد ذكر بعض أهل السنة أيضا وجها آخر في التطبيق، وهو أن قراءة الجر محمولة على حالة التخفف، وقراءة النصب على حال دونه، واعترض بأن الماسح على الخف ليس ماسحا على الرجل حقيقة ولا حكما، لأن الخف اعتبر مانعا سراية الحدث إلى القدم فهي طاهرة، وما حل بالخف أزيل بالمسح فهو على الخف حقيقة وحكما، وأيضا المسح على الخف لا يجب إلى الكعبين اتفاقا، وأجيب بأنه يجوز أن يكون لبيان المحل الذي يجزىء عليه المسح لأنه لا يجزىء على ساقه، نعم هذا الوجه لا يخلو عن بعد، والقلب لا يميل إليه، وإن ادعى الجلال السيوطي أنه أحسن ما قيل في الآية، وللإمامية في تطبيق القراءتين وجهان أيضا - لكن الفرق بينهما وبين ما سبق من الوجهين اللذين عند أهل السنة - أن قراءة النصب التي هي ظاهرة في الغسل عند أهل السنة، وقراءة الجر تعاد إليها، وعند الإمامية بالعكس، الوجه الأول: أن تعطف الأرجل في قراءة النصب على محل * (برؤوسكم) * فيكون حكم الرؤوس والأرجل كليهما مسحا، الوجه الثاني: أن الواو فيه بمعنى مع من قبيل استوى الماء والخشبة، وفي كلا الوجهين بحث لأهل السنة من وجوه: الأول: أن العطف على المحل خلاف الظاهر بإجماع الفريقين، والظاهر العطف على المغسولات
(٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 ... » »»