لم يستطع غنى موصلا إلى نكاحهن - أو لنكاحهن - أو - على - على أن الطول بمعنى القدرة - كما قال الزجاج، ومحل * (أن) * بعد الحذف جر، أو نصب على الخلاف المعروف، وهذا التقدير قول الخليل، وإليه ذهب الكسائي، وجوز أبو البقاء أن يكون بدلا من * (طولا) * بدل الشيء من الشيء، وهما لشيء واحد بناءا على أن الطول هو القدرة أو الفضل والنكاح قوة وفضل، وقيل: يجوز أن يكون مفعولا - ليستطع - و * (طولا) * مصدر مؤكد له إذ الاستطاعة هي الطول أو تمييز - أي ومن لم يستطع منكم استطاعة - أو من جهة الطول والغنى أي لا من جهة الطبيعة والمزاج إذ لا تعلق لذلك بالمقام.
وقوله تعالى وتقدس: * (فمن ما ملكت أيمانكم) * جواب الشرط أو خبر الموصول وجاءت الفاء لما مر غير مرة، و * (ما) * موصولة في محل جر بمن التبعيضية، والجار والمجرور متعلق بفعل مقدر حذف مفعوله، وفي الحقيقة متعلق بمحذوف وقع صفة لذلك المفعول أي فلينكح امرأة كائنة بعض النوع الذي ملكته أيمانكم، وأجاز أبو البقاء كون (من) زائدة أي فلينكح ما ملكته أيمانكم، وقوله تعالى: * (من فتياتكم) * أي إمائكم * (المؤمنات) * في موضع الحال من الضمير المحذوف العائد إلى * (ما) *، وقيل: (من) زائدة، و * (فتياتكم) * هو المفعول للفعل المقدر قبل، و - مما ملكت - متعلق بنفس الفعل، و (من) لابتداء الغاية، أو متعلق بمحذوف وقع حالا من هذا المفعول، و (من) للتبعيض، و (المؤمنات) على جميع الأوجه صفة (فتياتكم)، وقيل: هو مفعول ذلك الفعل المقدر، وفيه بعد.
وظاهر الآية يفيد عدم جواز نكاح الأمة للمستطيع لمفهوم الشرط - كما ذهب إليه الشافعي - وعدم جواز نكاح الأمة الكتابية مطلقا لمفهوم الصفة كما هو رأي أهل الحجاز - وجوزهما الإمام الأعظم رضي الله تعالى عنه لإطلاق المقتضى من قوله تعالى: * (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) * (النساء: 3) و * (وأحل لكم ما وراء ذلكم) * (النساء: 24) فلا يخرج منه شيء إلا بما يوجب التخصيص؛ ولم ينتهض ما ذكر حجة مخرجة؛ أما أولا: فالمفهومان - أعني مفهوم الشرط ومفهوم الصفة - ليسا بحجة عنده رضي الله تعالى عنه كما تقرر في الأصول، وأما ثانيا: فبتقدير الحجة مقتضى المفهومين عدم الإباحة الثابتة عند وجود القيد المبيح، وعدم الإباحة أعم من ثبوت الحرمة أو الكراهة، ولا دلالة للأعم على أخص بخصوصه فيجوز ثبوت الكراهة عند وجود - طول - الحرة كما يجوز ثبوت الحرمة على السواء، والكراهة أقل فتعينت فقلنا بها، وبالكراهة صرح في " البدائع "، وعلل بعضهم عدم حل تزوج الأمة حيث لم يتحقق الشرط بتعريض الولد للرق لتثبت الحرمة بالقياس على أصول شتى، أو ليتعين أحد فردي الأعم الذي هو عدم الإباحة وهو التحريم مرادا بالأعم.
واعترض بأنهم إن عنوا أن فيه تعريضا موصوفا بالحرية للرق سلمنا استلزامه للحرمة لكن وجود الوصف ممنوع إذ ليس هنا متصف بحرية عرض للرق بل الوصفان من الحرية والرق يقارنان وجود الولد باعتبار أمه إن كانت حرة فحر، أو رقيقة فرقيق، وإن أرادوا به تعريض الولد الذي سيوجد لأن يقارنه الرق في الوجود لا إرقاقه سلمنا وجوده ومنعنا تأثيره في الحرمة بل في الكراهة، وهذا لأنه كان له أن لا يحصل الولد أصلا بنكاح الآيسة ونحوها فلأن يكون له أن يحصل رقيقا بعد كونه مسلما أولى إذ المقصود بالذات من التناسل تكثير المقرين لله تعالى بالوحدانية والألوهية وما يجب أن يعترف له به وهذا ثابت بالولد المسلم، والحرية مع ذلك كمال يرجع أكثره إلى أمر دنيوي وقد جاز للعبد أن يتزوج أمتين بالاتفاق مع أن فيه تعريض الولد