تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٥ - الصفحة ٤
ذلك خبر أبي سعيد، وليس في ترتب ما فيه من الحكم على نزول الآية الكريمة ما يدل على كونها مسوقة له فإن ذلك إنما يتوقف على إفادتها له بوجه من وجوه الدلالات لا على إفادتها بطريق العبارة أو نحوها. واعترض بأن فيه ارتكاب خلاف الظاهر من غير ما وجه ولا مانع على تقدير تسليم أن يكون مساق النظم الكريم لبيان حرمة التمتع بالمحرمات المعدودة بحكم ملك النكاح فقط من أن يكون الاستثناء باعتبار لازم تحريم النكاح وهو تحريم الوطء فكأنه قيل: يحرم عليكم نكاح المحصنات فلا يجوز لكم وطؤهن إلا ما ملكت أيمانكم فإنه يجوز لكم وطؤهن فتدبر.
* (كتاب الله) * مصدر مؤكد أى كتب الله تعالى * (عليكم) * تحريم هؤلاء كتابا، ولا ينافيه الإضافة كما توهم، والجملة مؤكدة لما قبلها و * (عليكم) * متعلق بالفعل المقدر، وقيل: * (كتاب) * منصوب على الإغراء أي ألزموا كتاب الله، و * (عليكم) * متعلق إما بالمصدر أو بمحذوف وقع حالا منه، وقيل: هو إغراء آخر مؤكد لما قبله وقد حذف مفعوله لدلالة ما قبله عليه؛ وقيل: منصوب بعليكم، واستدلوا به على جواز تقديم المفعول في باب الإغراء وليس بشيء. وقرأ أبو السميقع (كتب الله) بالجمع والرفع أي: هذه فرائض الله تعالى عليكم، و - كتب الله - بلفظ الفعل.
* (وأحل لكم) * قرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم على البناء للمفعول، والباقون على البناء للمفاعل، وجعله الزمخشري على القراءة الأولى معطوفا على * (حرمت) *، وعلى الثانية معطوفا على (كتب) المقدر، وتعقبه أبو حيان بأن ما اختاره من التفرقة غير مختار لأن جملة (كتب) لتأكيد ما قبلها، وهذه غير مؤكدة فلا ينبغي عطفها على المؤكدة بل على الجملة المؤسسة خصوصا مع تناسبهما بالتحليل والتحريم، ونظر فيه الحلبي، ولعل وجه النظر أن تحليل ما سوى ذلك مؤكد لتحريمه معنى، وما ذكر أمر استحساني رعاية لمناسبة ظاهرة * (ما وراء ذلكم) * إشارة إلى ما تقدم من المحرمات أي أحل لكم نكاح ما سواهن انفرادا وجمعا، وفي إيثار اسم الإشارة على الضمير إشارة إلى مشاركة من في معنى المذكورات للمذكورات في حكم الحرمة فلا يرد حرمة الجمع بين المرأة وعمتها وكذا الجمع بين كل امرأتين أيتهما فرضت ذكرا لم تحل لها الأخرى كما بين في الفروع لأن تحريم من ذكر داخل فيما تقدم بطريق الدلالة كما مرت إليه الإشارة عن بعض المحققين، وحديث تخصيص هذا العموم بالكتاب والسنة مشهور.
* (أن تبتغوا) * مفعول له لما دل عليه الكلام أي بين لكم تحريم المحرمات المذكورات وإحلال ما سواهن إرادة، وطلب أن تبتغوا والمفعول محذوف أي تبتغوا النساء، أو متروك أي تفعلوا الابتغاء * (بأموالكم) * بأن تصرفوها إلى مهورهن، أو بدل اشتمال من * (ما وراء ذلكم) * بتقدير المفعول ضميرا. وجوز بعضهم كون * (ما) * عبارة عن الفعل كالتزوج والنكاح، وجعل هذا بدل كل من كل، والمروي عن ابن عباس تعميم الكلام بحيث يشمل صرف الأموال إلى المهور والأثمان * (محصنين) * حال من فاعل * (تبتغوا) *، والمراد بالإحصان هنا العفة وتحصين النفس عن الوقوع فيما لا يرضي الله تعالى * (غير مسافحين) * حال من الضمير البارز، أو من الضمير المستكن وهي في الحقيقة حال مؤكدة، والسفاح الزنا من السفح وهو صب الماء وسمي الزنا به لأن الزاني لا غرض له إلا صب النطفة فقط لا النسل، وعن الزجاج المسافحة والمسافح: الزانيان اللذان لا يمتنعان من أحد، ويقال للمرأة إذا كانت تزني بواحد: ذات خدن، ومفعول الوصفين محذوف أي محصنين فروجكم أو نفوسكم غير مسافحين الزواني، وظاهر الآية حجة لمن ذهب إلى أن المهر لا بد وأن
(٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 ... » »»