تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٥ - الصفحة ١١
الفواحش ما ظهر منها وما بطن) * (الأنعام: 151).
* (فإذآ أحصن) * أي بالأزواج - كما قال ابن عباس وجماعة - وقرأ إبراهيم * (أحصن) * بالبناء للفاعل أي أحصن فروجهن وأزواجهن، وأخرج عبد بن حميد أنه قرىء كذلك ثم قال: إحصانها إسلامها، وذهب كثير من العلماء إلى أن المراد من الاحصان على القراءة الأولى الإسلام أيضا لا التزوج، وبعض من أراده من الآية قال: لا تحد الأمة إذا زنت ما لم تتزوج بحر، وروي ذلك مذهبا لابن عباس، وحكي عدم الحد قبل التزوج عن مجاهد وطاوس، وقال الزهري: هو فيها بمعنى التزوج. والحد واجب على الأمة المسلمة إذا لم تتزوج لما في " الصحيحين " عن زيد بن خالد الجهني أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن قال: " اجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها، ثم بيعوها ولو بضفير " فالمزوجة محدودة بالقرآن وغيرها بالسنة، ورجح هذا الحمل بأنه سبحانه شرط الإسلام بقوله جل وعلا: * (من فتياتكم المؤمنات) * فحمل ما هنا على غيره أتم فائدة وإن جاز أنه تأكيد لطول الكلام. وذكر بعض المحققين أن تفسير الإحصان بالإسلام ظاهر على قول أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه من جهة أنه لا يشترط في التزوج بالأمة أن تكون مسلمة وإن الكفار ليسوا مخاطبين بالفروع، وهو مشكل على قول من يقول بمفهوم الشرط من الشافعية فإنه يقتضي أن الأمة الكافرة إذا زنت لا تجلد، وليس مذهبه كذلك فإنه يقيم الحد على الكفار * (فإن أتين بف‍احشة) * أي فإن فعلن فاحشة وهي الزنا وثبت ذلك. * (فعليهن) * أي فثابت عليهن شرعا * (نصف ما على المحصن‍ات) * أي الحرائر الأبكار * (من العذاب) * أي الحد الذي هو جلد مائة، فنصفه خمسون ولا رجم عليهن لأن لا يتنصف؛ وهذا دفع لتوهم أن الحد لهن يزيد بالإحصان، فيسقط الاستدلال به على أنهن قبل الإحصان لا حد عليهن كما روي ذلك عمن تقدم. قال الشهاب: وعلم من بيان حالهن حال العبيد بدلالة النص فلا وجه لما قيل: إنه خلاف المعهود لأن المعهود أن يدخل النساء تحت حكم الرجال بالتبعية وكأن وجهه أن دواعي الزنا فيهن أقوى وليس هذا تغليبا وذكرا بطريق التبعية حتى يتجه ما ذكر، ويرد على وجه التخصيص أنه لو كان كذلك لم يدل على حكم العبيد بل الوجه فيه أن الكلام في تزوج الإماء فهو مقتضى الحال انتهى. والظاهر أن المراد بالحال المعلوم بدلالة النص حال العبيد إذا أتوا بفاحشة لا مطلقا، فإن حال العبيد ليس حال الإماء في مسألة النكاح من كل وجه كما بين في " كتب الفروع "، وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد أنه قرىء (فإن أتوا)، و (أتين بفاحشة)، هذا والفاء في * (فإن أتين) * جواب (إذا)، والثانية: جواب (إن)، والشرط الثاني مع جوابه مترتب على وجود الأول، و * (من العذاب) * في موضع الحال من الضمير في الجار والمجرور والعامل فيها هو العامل في صاحبها، قال أبو البقاء: ولا يجوز أن تكون حالا من * (ما) * لأنها مجرورة بالإضافة فلا يكون لها عامل * (ذلك) * أي نكاح الإماء * (لمن خشي العنت منكم) * أي لمن خاف الزنا بسبب غلبة الشهوة عليه، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن نافع بن الأزرق سأله عن العنت فقال: الإثم، فقال نافع: وهل تعرف العرب ذلك؟ فقال: نعم أما سمعت قول الشاعر:
(١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 ... » »»