والظاهر أن مبنى الجوار على العرف، وعن الحسن كما في الأدب أنه سئل عن الجار فقال: أربعين دارا أمامه وأربعين خلفه وأربعين عن يمينه وأربعين عن يساره، وروي مثله عن الزهري. وقيل: أربعين ذراعا، ويبدأ بالأقرب فالأقرب، فعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قلت يا رسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قال: إلى أقربهما منك بابا، وقرىء - والجار ذا القربى - بالنصب أي وأخص الجار، وفي ذلك تنبيه على عظم حق الجار. وقد أخرج الشيخان عن أبي شريح الخزاعي " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره " وفيما سمعه عبد الله كفاية، وأخرجه الشيخان وأحمد من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها.
* (والصاحب بالجنب) * هو الرفيق في السفر أو المنقطع إليك يرجو نفعك ورفدك، وكلا القولين عن ابن عباس، وقيل: الرفق في أمر حسن - كتعلم وتصرف وصناعة وسفر - وعدوا من ذلك من قعد بجنبك في مسجد أو مجلس وغير ذلك من أدنى صحبة التأمت بينك وبينه، واستحسن جماعة هذا القيل لما فيه من العموم. وأخرج عبد بن حميد عن علي كرم الله تعالى وجهه - الصاحب - بالجنب - المرأة، والجار متعلق بمحذوف وقع حالا من الصاحب، والعامل فيه الفعل المقدر * (وابن السبيل) * وهو المسافر أو الضيف. * (وما ملكت أيمانكم) * قال مقاتل: من عبيدكم وإمائكم، وكان كثيرا ما يوصي بهم صلى الله عليه وسلم فقد أخرج أحمد والبيهقي عن أنس قال: " كان عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حضره الموت الصلاة وما ملكت أيمانكم حتى جعل يغرغرها في صدره وما يفيض بها لسانه " ثم الإحسان إلى هؤلاء الأصناف متفاوت المراتب حسبما يليق بكل وينبغي * (إن الله لا يحب من كان مختالا) * أي ذا خيلاء وكبر يأنف من أقاربه وجيرانه مثلا ولا يلتفت إليهم * (فخورا) * يعد مناقبه عليهم تطاولا وتعاظما، والجملة تعليل للأمر السابق. أخرج الطبراني وابن مردويه عن ثابت بن قيس بن شماس قال: " كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ هذه الآية * (إن الله) * الخ فذكر الكبر وعظمه فبكى ثابت فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يبكيك؟ فقال: يا رسول الله إني لأحب الجمال حتى إنه ليعجبني أن يحسن شراك نعلي قال: فأنت من أهل الجنة إنه ليس بالكبر أن تحسن راحلتك ورحلك ولكن الكبر من سفه الحق وغمص الناس " والأخبار في هذا الباب كثيرة..
* (الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون مآ ءاتاهم الله من فضله وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا) *.
* (الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل) * فيه أوجه من الإعراب: الأول: أن يكون بدلا من من بدل كل من كل، الثاني: أن يكون صفة لها بناءا على رأي من يجوز وقوع الموصول موصوفا، والزجاج يقول به، الثالث: أن يكون نصبا على الذم، الرابع: أن يكون رفعا عليه، الخامس: أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي هم الذين، السادس: أن يكون مبتدأ خبره محذوف أي مبغوضون، أو أحقاء بكل ملامة ونحو ذلك - مما يؤخذ من السياق - وإنما حذف لتذهب نفس السامع كل مذهب، وتقديره بعد تمام الصلة أولى، السابع: أن يكون كما قال أبو البقاء: مبتدأ * (والذين) * (النساء: 38) الآتي معطوفا عليه، والخبر * (إن الله لا يظلم) * (النساء: 40) على معنى لا يظلمهم وهو بعيد جدا. وفرق الطيبي بين كونه خبرا ومبتدأ بأنه على الأول: متصل بما قبله لأن هذا من جنس أوصافهم التي عرفوا بها، وعلى الثاني: منقطع جيء به لبيان أحوالهم، وذكر أن الوجه الاتصال وأطال الكلام عليه، وفي البخل أربع لغات: فتح الخاء والباء - وبها قرأ حمزة والكسائي - وضمهما - وبها قرأ الحسن وعيسى بن عمر