تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣ - الصفحة ٨١
وواحد (أخر) أخرى، والواحد هنا لا يصح أن يوصف بهذا الواحد فلا يقال: أخرى متشابهة إلا أن يكون بعض الواحدة يشبه بعضا - وليس المعنى على ذلك - وإنما المعنى أن كل آية تشبه آية أخرى فكيف صح وصف الجمع بهذا الجمع ولم يصح وصف مفرده بمفرده؟! ولا حاجة إلى ما تكلف في الجواب عنه بأنه ليس من شرط صحة وصف المثنى والمجموع صحة بسط مفردات الأوصاف على أفراد الموصوفات كما أنه لا يلزم من الإسناد إليهما صحة إسناده إلى كل واحد كما في * (فوجد فيها رجلين يقتتلان) * (القصص: 15) إذ الرجل لا يقتتل، وقيل: إنه لما كان من شأن الأمور المتشابهة أن يعجز العقل عن التمييز بها سمي كل ما لا يهتدي العقل إليه متشابها وإن لم يكن ذلك بسبب التشابه كما أن المشكل في الأصل ما دخل في أشكاله وأمثاله ولم يعلم بعينه ثم أطلق على كل غامض وإن لم يكن غموضه من تلك الجهة وعليه يكون المتشابه مجازا أو كناية عما لا يتضح معناه مثلا فيكون السؤال مغالطة غير واردة رأسا وهذا الذي ذكره في تفسير المحكم والمتشابه هو مذهب كثير من الناس - وعليه الشافعية -. وتقسيم الكتاب إليهما من تقسيم الكل إلى أجزائه بناءا على أن المراد من الكتاب ما بين الدفتين ولامه لتعريف العهد، وحينئذ إما أن يراد بالكتاب الثاني المضاف إليه أم الأول الواقع مقسما كما يشعر به حديث إعادة الشيء معرفة ويكون وضع المظهر موضع المضمر اعتناءا بشأن المظهر وتفخيما له والإضافة على معنى في - كما في واحد العشرة - فلا يلزم كون الشيء أصلا لنفسه لأن المعنى على أن الآيات المحكمات التي هي جزء مما بين الدفتين أصل فيما بين الدفتين يرجع إليه المتشابه منه، واعتبار ظرفية الكل للجزء يدفع توهم لزوم ظرفية الشيء لنفسه - وهذا أولى من القول بتقدير مضاف بين المتضايفين - بأن يقال التقدير أم بعض الكتاب فإنه وإن بقي فيه الكتاب على حاله إلا أنه لا يخلو عن تكلف، وإما أن يراد به الجنس فإنه كالقرآن يطلق على القدر المشترك بين المجموع وبين كل بعض منه له به نوع اختصاص كما بين في الأصول، ويراد من هذا الجنس ما هو في ضمن الآيات المتشابهات فاللام حينئذ للجنس والإضافة على معنى اللام ولا يعارضه حديث الإعادة إذ هو أصل كثيرا ما يعدل عنه ولا يتوهم منه كون الشيء - أما - لنفسه أصلا ولا أن المقام مقام الإضمار ليحتاج إلى الجواب عن ذلك، وبعض فضلاء العصر - العاصرين حميا العلم من كرم أذهانهم الكريمة أحسن عصر - جوز كون الإضافية - لامية -، و (الكتاب) المضاف إليه هو الكتاب الأول بعينه وليس في الكلام مضاف محذوف وما يلزم على ذلك من كون الشيء - أما - لنفسه وأصلا لها لا يضر لاختلاف الاعتبار فإن - أمومته - لغيره من المتشابه باعتبار رده إليه وإرجاعه له - وأمومته - لنفسه باعتبار عدم احتياجه لظهور معناه إلى شيء سوى نفسه، ولا يخفى عليك أن - الأم - إن كانت في كلا الاعتبارين حقيقة لزم استعمال المشترك في معنييه وإن كانت في كليهما مجازا لزم الجمع بين معنيين مجازيين، وإن كانت حقيقة في الأصل باعتبار ما يرجع إليه غيره كما يفهم من بعض عباراتهم مجازا في الأصل بمعنى المستغني عن غيره لزم الجمع بين الحقيقة والمجاز ولا مخلص عن ذلك إلا بارتكاب عموم المجاز، هذا وجوز أن يكون التقسيم إلى القسمين المحكم والمتشابه من تقسيم الكلى إلى جزئياته فأل في - الكتاب - للجنس أولا وآخرا إلا أن المراد من الكتاب في الأول الماهية من حيث هي كما هو الأمر المعروف في مثل هذا التقسيم، وفي الثاني الماهية باعتبار تحققها في ضمن بعض الأفراد وهو المتشابه، ويجوز أن يراد من الثاني أيضا مجموع ما بين الدفتين والكلام فيه حينئذ على نحو ما سبق، قيل: وقصارى ما يلزم من هذا التقسيم بعد تحمل القول بأنه خلاف الظاهر صدق الكتاب على الأبعاض وهو
(٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 ... » »»