تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣ - الصفحة ٥١
شرطية أو موصولة، و * (موعظة) * فاعل جاء وسقطت التاء للفصل وكون التأنيث مجازيا مع ما في الموعظة معنى من التذكير، وقرأ أبي والحسن (جاءته) بإلحاق التاء * (من ربه) * متعلق بجاءه أو بمحذوف وقع صفة لموعظة وعلى التقديرين فيه تعظيم لشأنها وفي ذكر الرب تأنيس لقبول الموعظة إذ فيه إشعار بإصلاح عبده و (من) لابتداء الغاية أو للتبعيض وحذف المضاف * (فانتهى) * عطف على جاءه أي فاتعظ بلا تراخ وتبع النهي * (فله ما سلف) * أي ما تقدم أخذه قبل التحريم لا يسترد منه، وهذا هو المروي عن الباقر، وسعيد بن جبير، وقيل: المراد لا مؤاخذة عليه في الدنيا ولا في الآخرة فيما تقدم له أخذه من الربا قبل، والفاء إما للجواب أو صلة في الخبر، و * (ما) * في موضع الرفع بالظرف إن جعلت (من) موصولة، وبالإبتداء إن جعلت شرطية على رأي من يشترط الاعتماد، وكون المرفوع اسم حدث، ومن لا يشترطهما يجوز كونه فاعل الظرف * (وأمره) * أي المنتهى بعد التحريم * (إلى الله) * إن شاء عصمه من الربا فلم يفعل وإن شاء لم يفعل، وقيل: المراد إنه يجازيه على انتهائه إن كان عن قبول الموعظة وصدق النية أو يحكم في شأنه يوم القيامة بما شاء لا اعتراض لكم عليه.
ومن الناس من جعل الضمير المجرور لما سلف أو للربا وكلاهما خلاف الظاهر.
* (ومن عاد) * أي رجع إلى ما سلف ذكره من فعل الربا واعتقاد جوازه والاحتجاج عليه بقياسه على البيع * (فأول‍ائك) * إشارة إلى - من عاد - والجمع باعتبار المعنى * (أصح‍ابالنار) * أي ملازموها * (هم فيها خ‍الدون) * أي ماكثون أبدا لكفرهم، والجملة مقررة لما قبلها؛ وجعل الزمخشري متعلق - عاد - الربا فاستدل بالآية على تخليد مرتكب الكبيرة وعلى ما ذكرنا - وهو التفسير المأثور - لا يبقى للاستدلال بها مساغ، واعترض بأن الخلود لو جعل جزاءا للاستحلال بقي جزاء مرتكب الفعل من غير استحلال غير مذكور في الكلام أصلا لا عبارة ولا إشارة مع أنه المقصود الأهم بخلاف ما لو جعل ذلك جزاء أصل الفعل فإن المقصود يكون مذكورا صريحا مع إفادته جزاء الاستحلال وأنه أمر فوق الخلود، وأجيب بأن ما يكفر مستحله لا يكون إلا من كبائر المحرمات وجزاؤها معلوم ولذا لم ينبه عليه لظهوره، وقال بعض المحققين في الجواب: إن جعل ذلك إشارة إلى الأكل كان الجزاء القيام المذكور من القبور إلى الموقف وكفى به نكالا، ثم أخبر أن حاملهم على الأكل كان هذا القول فأشعر الوصف أولا أن الوعيد به ثم ذكر موجب اجترائهم فدل على أنه وعيد آكل سواء كان حامله عليه ذلك القول أو لا. وأما قوله سبحانه: * (فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى) * وقوله تعالى: * (فمن عاد) * فهو في القائل المعتقد وإن جعل إشارة إلى القيام المذكور فالجزاء ما يفهم من ضم الفعل إلى القول فإنه لو لم يكن له مدخل في التعذيب لم يحسن في معرض الوعيد، والقول بأن المتعلق الربا والآية محمولة على التغليظ خلاف الظاهر فتدبر.
* (يمحق الله الربواا ويربى الصدق‍ات والله لا يحب كل كفار أثيم) *.
* (يمحق الله الرب‍اوا) * أي يذهب بركته ويهلك المال الذي يدخل فيه، أخرج أحمد، وابن ماجه، وابن جريح، والحاكم وصححه عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الربا وإن كثر فعاقبته تصير إلى قل ". وأخرج عبد الرزاق عن معمر قال: سمعنا أنه لا يأتي على صاحب الربا أربعون سنة حتى يمحق، ولعل هذا مخرج مخرج الغالب، وعن الضحاك أن هذا المحق في الآخرة بأن يبطل ما يكون منه مما يتوقع نفعه فلا يبقى
(٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 ... » »»