ولأن من صفته الطيران في السماء وكان من همة إبراهيم عليه الصلاة والسلام الميل إلى جهة العلو والوصول إلى الملكوت فكان معجزته مشاكلة لهمته.
* (فصرهن) * قرأ حمزة ويعقوب بكسر الصاد، والباقون بضمها مع التخفيف من - صاره يصوره ويصيره - لغتان بمعنى قطعه أو أماله لأنه مشترك بينهما كما ذكره أبو علي، وقال الفراء: الضم مشترك بين المعنيين، والكسر بمعنى القطع فقط، وقيل: الكسر بمعنى القطع، والضم بمعنى الإمالة، وعن الفراء إن صاره مقلوب صراه عن كذا قطعه، والصحيح أنه عربي وعن عكرمة أنه نبطي، وعن قتادة أنه حبشي، وعن وهب أنه رومي، فإن كان المراد - أملهن - فقوله تعالى: * (إليك) * متعلق به وإن كان المراد - فقطعهن - فهو متعلق - بخذ - باعتبار تضمينه معنى الضم، واختار أبو البقاء أن يكون حالا من المفعول المضمر أي - فقطعهن مقربة ممالة - إليك - وزعم ابن هشام - تبعا لغيره - أنه لا يصح تعليق الجار - بصرهن - مطلقا إن لم يقدر مضاف أي إلى نفسك محتجا بأنه لا يتعدى فعل غير علمي عامل في ضمير متصل إلى المنفصل، ورد بأنه إنما يمنع إذا كان متعديا بنفسه أما المتعدي بحرف فهو جائز كما صرح به علماء العربية، وقرأ ابن عباس رضي الله تعالى عنهما - فصرهن - بتشديد الراء مع ضم الصاد وكسرها من صره إذا جمعه، والراء إما مضمومة للاتباع أو مفتوحة للتخفيف، أو مكسورة لالتقاء الساكنين، وعنه أيضا - فصرهن - من التصرية بفتح الصاد وكسر الراء المشددة وأصلها تصررة فأبدل أحد أحرف التضعيف ياءا وهي في الأصل من صريت الشاة إذا لم تحلبها أياما حتى يجتمع اللبن في ضرعها ثم استعمل في مجرد معنى الجمع - أي اجمعهن وضمهن إليك لتتأملها وتعرف شأنها مفصلة حتى تعلم بعد الإحياء أن جزءا من أجزائها لم ينتقل من موضعه الأول أصلا -.
* (ثم اجعل) * أي ألق أو صير بعد ذبحهن وخلط لحومهن وريشهن ودمائهن كما قاله قتادة. * (على كل جبل) * يمكنك الوضع عليه ولم يعين له ذلك - كما روي عن مجاهد، والضحاك - وروي عن ابن عباس والحسن، وقتادة أن الجبال كانت أربعة، وعن ابن جريج، والسدي أنها كانت سبعة، وعن أبي عبد الله رضي الله تعالى عنه أنها كانت عشرة * (منهن) * أي من تلك الطير * (جزءا) * أي قطعة، وبعضا ربعا، أو سبعا أو عشرا أو غير ذلك؛ وقرىء (جزءا) بضمتين و (جزا) بطرح همزته تخفيفا ثم تشديده عند الوقف ثم إجراء الوصل مجرى الوقف وهو مفعول - لا جعل - والجاران قبله متعلقان بافعل، ويجوز أن يكون على كل مفعولا ثانيا له إن كان بمعنى صير، و * (منهن) * حال من * (جزءا) * لأنه في الأصل صفة للنكرة قدمت عليها * (ثم ادعهن) * أي نادهن، أخرج ابن المنذر عن الحسن قال: إنه عليه الصلاة والسلام نادى أيتها العظام المتمزقة واللحوم المتفرقة والعروق المتقطعة اجتمعي يرد الله تعالى فيكن أرواحكن فوثب العظم إلى العظم وطارت الريشة إلى الريشة وجرى الدم إلى الدم حتى رجع إلى كل طائر دمه ولحمه وريشه ثم أوحى الله تعالى إلى إبراهيم إنك سألتني كيف أحيي الموتى وأني خلقت الأرض وجعلت فيها أربعة أرواح الشمال والصبا والجنوب والدبور حتى إذا كان يوم القيامة نفخ نافخ في الصور فيجتمع من في الأرض من القتلى والموتى كما اجتمعت أربعة أطيار من أربعة جبال ثم قرأ: * (ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة) * (لقمان: 28) وعن مجاهد أنه دعاهن باسم إله إبراهيم تعالين، واستشكل بأن دعاء الجماد غير معقول، وأجيب بأنه من قبيل دعاء التكوين، وقيل: في الآية حذف كأنه قيل: فقطعهن ثم اجعل على كل جبل من كل واحد منهن جزءا فإن الله تعالى يحييهن فإذا أحياهن فادعهن.