* (وأما الذين ءامنوا وعملوا الصالحات) * بيان لحال القسم الثاني، وبدأ بقسم * (الذين كفروا) * (آل عمران: 56) لأن ذكر ما قبله من حكم الله تعالى بينهم أول ما يتبادر منه في بادىء النظر التهديد فناسب البداءة بهم ولأنهم أقرب في الذكر لقوله تعالى: * (فوق الذين كفروا) * (آل عمران: 55) ولكون الكلام مع اليهود الذين كفروا بعيسى عليه السلام وهموا بقتله * (فيوفيهم أجورهم) * أي فيوفر عليهم ويتمم جزاء أعمالهم القلبية والقالبية ويعطيهم ثواب ذلك وافيا من غير نقص. وزعم بعضهم أن توفية الأجور هي قسم المنازل في الجنة - والظاهر أنها أعم من ذلك - وعلق التوفية على الإيمان والعمل الصالح ولم يعلق العذاب بسوى الكفر تنبيها على درجة الكمال في الإيمان ودعاءا إليها وإيذانا بعظم قبح الكفر، وقرأ حفص. ورويس عن يعقوب - فيوفيهم - بياء الغيبة، وزاد رويس ضم الهاء، وقرأ الباقون بالنون جريا على سنن العظمة والكبرياء، ولعل وجه الالتفات إلى الغيبة على القراءة الأولى الإيذان بأن توفية الأجر مما لا يقتضي لها نصب نفس لأنها من آثار الرحمة الواسعة ولا كذلك العذاب، والموصول في الآيتين مبتدأ خبره ما بعد الفاء، وجوز أن يكون منصوبا بفعل محذوف يفسره ما ذكر، وموضع المحذوف بعد الصلة - كما قال أبو البقاء - ولا يجوز أن يقدر قبل الموصول لأن - أما - لا يليها الفعل. * (والله لا يحب الظالمين) * أي لا يريد تعظيمهم ولا يرحمهم ولا يثني عليهم، أو المراد يبغضهم على ما هو الشائع في مثل هذه العبارة، والجملة تذييل لما قبل مقرر لمضمونه.
* (ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم) *.
* (ذلك) * أي المذكور من أمر عيسى عليه السلام والإتيان بما يدل على البعد للإشارة إلى عظم شأن المشار إليه وبعد منزلته في الشرف. * (نتلوه عليك) * أي نسرده ونذكره شيئا بعد شيء، والمراد تلوناه إلا أنه عبر بالمضارع استحضارا للصورة الحاصلة اعتناءا بها، وقيل: يمكن الحمل على الظاهر لأن قصة عيسى عليه السلام لم يفرغ منها بعد * (من الآيات) * أي الحجج الدالة على صدق نبوتك إذ أعلمتهم بما لا يعلمه إلا قارىء كتاب، أو معلم ولست بواحد منهما فلم يبق إلا أنك قد عرفته من طريق الوحي * (والذكر) * أي القرآن، وقيل: اللوح المحفوظ وتفسيره به لاشتماله عليه، و * (من) * تبعيضية على الأول، وابتدائية على الثاني وحملها على البيان وإرادة بعض مخصوص من القرآن بعيد * (الحكيم) * أي المحكم المتقن نظمه، أو الممنوع من الباطل، أو صاحب الحكمة، وحينئذ يكون استعماله لما صدر عنه مما اشتمل على حكمته؛ إما على وجه الإستعارة التبعية في لفظ حكيم، أو الإسناد المجازي بأن أسند للذكر ما هو لسببه وصاحبه، وجعله من باب الإستعارة المكنية التخييلية بأن شبه القرآن بناطق بالحكمة وأثبت له الوصف - بحكيم - تخييلا محوج إلى تكلف مشهور في دفع شبهة ذكر الطرفين حينئذ فتأمل، وجوز في الآية أوجه من الإعراب، الأول: أن ذلك مبتدأ، و * (نتلوه) * خبره، و * (عليك) * متعلق بالخبر، و * (من الآيات) * حال من الضمير المنصوب، أو خبر بعد خبر، أو هو الخبر وما بينهما حال من اسم الاشارة على أن العامل فيه معنى الإشارة لا الجار والمجرور قيل: لأن الحال لا يتقدم العامل المعنوي، الثاني: أن يكون ذلك خبرا لمحذوف أي: الأمر ذلك، و * (نتلوه) * في موضع الحال من * (ذلك) * و * (من الآيات) * حال من الهاء، الثالث: أن يكون ذلك في موضع نصب بفعل دل عليه - نتلو - فيكون * (من الآيات) * حالا من الهاء أيضا.
* (إن مثل عيسى عند الله كمثل ءادم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون) *.
* (إن مثل عيسى) *