على حفظ النفس، وقد روي أن اليهود لما طلبوه ليقتلوه قال للحواريين: أيكم يحب أن يكون رفيقي في الجنة على أن يلقى فيه شبهي فيقتل مكاني؟ فأجابه إلى ذلك بعضهم، وفي بعض الأناجيل أن اليهود لما أخذوا عيسى عليه السلام سل شمعون سيفه فضرب به عبدا كان فيهم لرجل من الأحبار عظيم فرمى بإذنه فقال له عيسى عليه السلام: حسبك ثم أدنى أذن العبد فردها إلى موضعها فصارت كما كانت، وقيل: يجوز أن يكون طلب النصرة للتمكين من إقامة الحجة ولتمييز الموافق من المخالف وذلك لا يستدعي الأمر بالجهاد كما أمر نبينا روح جسد الوجود صلى الله عليه وسلم وهو الظاهر لمن أنصف، والمراد من أنصار الله أنصار دينه ورسوله وأعوانهما على ما هو المشهور.
* (ءامنا بالله) * مستند لتلك الدعوى جارية مجرى العلة لها * (واشهد) * عطف على * (آمنا) * ولا يضر اختلافهما إنشائية وإخبارية لما تحقق في محله، وقيل: إن * (آمنا) * لإنشاء الإيمان أيضا فلا اختلاف * (بأنا مسلمون) * أي منقادون لما تريده منا ويدخل فيه دخولا أوليا نصرتهم له، أو بأن ديننا الإسلام الذي هو دين الأنبياء من قبلك فهو إقرار معنى بنبوة من قبله عليه السلام وهذا طلب منهم شهادته عليه السلام لهم يوم القيامة حين تشهد الرسل لقومهم وعليهم إيذانا - كما قال الكرخي - بأن مرمى غرضهم السعادة الأخروية وجاء في المائدة (111) * (بأننا) * لأن ما فيها - كما قيل - أول كلام الحواريين فجاء على الأصل، وما هنا تكرار له بالمعنى فناسب فيه التخفيف لأن كلا من التخفيف والتكرار فرع، والفرع بالفرع أولى.
* (ربنآ ءامنا بمآ أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين) *.
* (ربنا ءامنا بما أنزلت) * عرض لحالهم عليه تعالى بعد عرضها على رسوله استمطارا لسحائب إجابة دعائهم الآتي، وقيل: مبالغة في إظهار أمرهم * (واتبعنا الرسول) * أي امتثلنا ما أتى به منك إلينا * (فاكتبنا مع الشاهدين) * أي محمد صلى الله عليه وسلم وأمته لأنهم يشهدون للرسل بالتبليغ ومحمد صلى الله عليه وسلم يشهد لهم بالصدق - رواه عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما - وروى أبو صالح عنه أنهم من آمن من الأمم قبلهم، وقيل: المراد من * (الشاهدين) * الأنبياء لأن كل نبي شاهد لأمته وعليها، وقال مقاتل: هم الصادقون، وقال الزجاج: هم الشاهدون للأنبياء بالتصديق، وقيل: أرادوا مع المستغرقين في شهود جلالك بحيث لا نبالي بما يصل إلينا من المشاق والآلام فيسهل علينا الوفاء بما التزمنا من نصرة رسولك، وقيل: أرادوا اكتب ذكرنا في زمرة من شهد حضرتك من الملائكة المقربين كقوله تعالى: * (إن كتاب الأبرار لفي عليين) * (المطففين: 18) ولا يخفى ما في هذا الأخير من التكلف والمعنى على ما عداه أدخلنا في عداد أولئك، أو في عداد أتباعهم، قيل: وعبروا عن فعل الله تعالى ذلك بهم بلفظ * (فاكتبنا) * إذ كانت الكتابة تقيد وتضبط ما يحتاج إلى تحقيقه وعلمه في ثاني حال، وقيل: المراد اجعل ذلك وقدره في صحائف الأزل. ومن الناس من جعل الكتابة كناية عن تثبيتهم على الإيمان في الخاتمة، والظرف متعلق بمحذوف وقع حالا من مفعول - اكتبنا -.
* (ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين) *.
* (ومكروا) * أي الذين أحس منهم الكفر إذ وكلوا به من يقتله غيلة * (ومكر الله) * بأن ألقى شبهه عليه السلام على غيره فصلب ورفعه إليه، قال ابن عباس: لما أراد ملك بني إسرائيل قتل عيسى عليه السلام دخل خوخة وفيها كوة فرفعه جبريل عليه السلام من الكوة إلى السماء فقال الملك لرجل منهم خبيث: أدخل عليه فاقتله فدخل الخوخة فألقى الله تعالى عليه شبه عيسى عليه السلام فخرج إلى أصحابه يخبرهم