تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣ - الصفحة ١٢١
وقيل: الظرف في حيز الصفة لأولياء، وقيل: متعلق بفعل الاتخاذ، و * (من) * لابتداء الغاية أي لا تجعلوا ابتداء الولاية من مكان دون مكان المؤمنين * (ومن يفعل ذالك) * أي الاتخاذ، والتعبير عنه بالفعل - كما قال شيخ الإسلام - للاختصار أو لإيهام الاستهجان بذكره، و * (من) * شرطية، و * (يفعل) * فعل الشرط، وجوابه. * (فليس من الله في شيء) * والكلام على حذف مضاف أي من ولايته، أو من دينه، والظرف الأول حال من * (شيء) * والثاني خبر - ليس - وتنوين * (شي) * للتحقير أي ليس في شيء يصح أن يطلق عليه اسم الولاية أو الدين لأن موالاة المتضادين مما لا تكاد تدخل خيمة الوقوع ولهذا قيل: تود عدوي ثم تزعم أنني * صديقك ليس النوك عنك بعازب وقيل أيضا: إذا والى صديقك من تعادي * فقد عاداك وانقطع الكلام والجملة معترضة، وقوله تعالى: * (إلا أن تتقوا) * على صيغة الخطاب بطريق الغيبة استثناء مفرغ من أعم الأحوال والعامل فيه فعل النهي معتبرا فيه الخطاب أي لا تتخذوهم أولياء في حال من الأحوال إلا حال اتقائكم، وقيل: استثناء مفرغ من المفعول لأجله أي لا يتخذ المؤمن الكافر وليا لشيء من الأشياء إلا للتقية * (منهم) * أي من جهتهم؛ و - من - للابتداء متعلق بمحذوف وقع حالا من قوله تعالى: * (تقاة) * لأنه نعت النكرة وقد تقدم عليها، والمراد - بالتقاة - ما يتقى منه وتكون بمعنى اتقاء وهو الشائع فعلى الأول: يكون مفعولا به لتتقوا، وعلى الثاني: مفعولا مطلقا له، و * (منهم) * متعلق به، وتعدى - بمن - لأنه بمعنى خاف، وخاف يتعدى بها نحو * (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا) * (النساء: 128) * (فمن خاف من موص جنفا) * (البقرة: 182) والمجرور في موضع أحد المفعولين وترك المفعول الآخر للعلم به أي ضررا ونحوه، وأصل تقاة وقية بواو مضمومة وياء متحركة بعد القاف المفتوحة فأبدلت الواو المضمومة تاءا كتجاه وأبدلت الياء المتحركة ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ووزنه فعلة - كتخمة، وتؤدة - وهو في المصادر غير مقيس وإنما المقيس اتقاء - كاقتداء - وقرأ أبو الرجاء وقتادة - تقية - بالياء المشددة ووزنها فعيلة والتاء بدل من الواو أيضا وفي الآية دليل على مشروعية التقية وعرفوها بمحافظة النفس أو العرض أو المال من شر الأعداء، والعدو قسمان: الأول: من كانت عداوته مبنية على اختلاف الدين كالكافر والمسلم، والثاني: من كانت عداوته مبنية على أغراض دنيوية كالمال والمتاع والملك والإمارة، ومن هنا صارت التقية قسمين: أما القسم الأول: فالحكم الشرعي فيه أن كل مؤمن وقع في محل لا يمكن له أن يظهر دينه لتعرض المخالفين وجب عليه الهجرة إلى محل يقدر فيه على إظهار دينه ولا يجوز له أصلا أن يبقى هناك ويخفي دينه ويتشبث بعذر الاستضعاف فإن أرض الله تعالى واسعة، نعم إن كان ممن لهم عذر شرعي في ترك الهجرة كالصبيان والنساء والعميان والمحبوسين والذين يخوفهم المخالفون بالقتل أو قتل الأولاد أو الآباء أو الأمهات تخويفا يظن معه إيقاع ما خوفوا به غالبا سواء كان هذا القتل بضرب العنق أو بحبس القوت أو بنحو ذلك فإنه يجوز له المكث مع المخالف والموافقة بقدر الضرورة ويجب عليه أن يسعى في الحيلة للخروج والفرار بدينه ولو كان التخويف بفوات المنفعة أو بلحوق المشقة التي يمكنه تحملها كالحبس مع القوت والضرب القليل الغير المهلك لا يجوز له موافقتهم، وفي صورة الجواز أيضا موافقتهم رخصة وإظهار مذهبه عزيمة فلو تلفت نفسه لذلك فإنه شهيد قطعا، ومما يدل على أنها رخصة - ما روي عن الحسن -
(١٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 ... » »»