أرفق بالمذنبين مثلي وأنسب بما قبله وإضافته إلى يوم الدين بهذا المعنى ليكسر حرارته فإن سماع * (يوم الدين) * يقلقل أفئدة السامعين وبشبه ذلك من وجه قوله تعالى: * (عفا الله عنك لم أذنت لهم) * (التوبة: 43) والمدار على الرحمة لا سيما والأمر جدير والترغيب فيه أرغب على أنه لا يخلو الحال عن ترهيب وكأني بك تعارض هذه النكت وما علي فهذا الذي دعاني إليه حسن الظن.
واليوم: في العرف عبارة عما بين طلوع الشمس وغروبها من الزمان وفي الشرع عند أهل السنة ما عدا الأعمش عبارة عما بين طلوع الفجر الثاني وغروب الشمس ويطلق على مطلق الوقت. ويوم القيامة حقيقة شرعية في معناه المعروف وتركيبه غريب إذ فاء الكلمة فيه ياء وعينها واو ولم يأت من ذلك كما في البحر المحيط إلا يوم وتصاريفه. والدين: الجزاء ومنه الحديث المرسل عن أبي قلابة رضي الله تعالى عنه عنه قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم البر لا يبلى والإثم لا ينسى والديان لا يموت فكن كما شئت كما تدين تدان " وقيل فرق بينهما فإن الدين ما كان بقدر فعل المجازى والجزاء أعم. وقيل الدين اسم للجزاء المحبوب المقدر بقدر ما يقتضيه الحساب إذا كان ممن معه وقع الأمر المجزي به فلا يقال لمن جازى عن غيره أو أعطى كثيرا في مقابلة قليل دين ويقال جزاء والأرجح عندي أن الدين والجزاء بمعنى فيوم الدين هو يوم الجزاء ويؤيده قوله تعالى: * (اليوم تجزى كل نفس بما كسبت) * (غافر: 17) و * (اليوم تجزون ما كنتم تعملون) * (الماثية: 28) وإضافة مالك إلى يوم على التوسع وقد قال النحاة الظرف إما متصرف وهو الذي لا يلزم الظرفية أو غير متصرف وهو مقابله والأول كيوم وليلة فلك أن تتوسع فيهما بأن ترفع أو تجر أو تنصب من غير أن تقدر فيه معنى (في) فيجرى مجرى المفعول للتساوي في عدم التقدير فإذا قلت سرت اليوم كان منصوبا انتصاب زيد في ضربت زيدا ويجري سرت مجرى ضربت في التعدي مجازا لأن السير لا يؤثر في اليوم تأثير الضرب في زيد ولا يخرج بذلك عن معنى الظرفية ولذا يتعدى إليه الفعل اللازم ولا يظهر في الاسم وإنما يظهر في الضمير كقوله: ويوما شهدناه سليما وعامرا * قليل سوى طعن النهار نوافله وإذا توسع في الظرف فإن كان فعله غير متعد تعدى وإن كان متعديا إلى واحد تعدى إلى اثنين وإن كان متعديا إلى اثنين تعدى إلى ثلاثة وهو قليل ومنعه البعض وإن كان متعديا إلى ثلاثة لم يتعد إلى رابع في المشهور إذ لا نظير له. وحكى ابن السراج جوازه والتوسع هذا تجوز حكمي في النسبة الظرفية الواقعة بعد نسبة المفعول به الحقيقي فالمتعدي قبله باق على حاله حتى إذا لم يذكر مفعوله قدر أو نزل منزلة اللازم والجمع بين الحقيقة والمجاز في المجاز الحكمي ليس محل الخلاف ولذا قال الرضى: اتفقوا على أن معنى الظرف متوسعا فيه وغير متوسع فيه سواء والمعنى مالك الأمر كله في يوم الدين وهذا ثابت له سبحانه أزلا وأبدا لأنه إما من الصفات الذاتية المتفق على ثبوتها له سبحانه كذلك أو من الصفات الفعلية وهي عند الماتريدية مثلها بل قال الزركشي من الأشاعرة في إطلاق الخالق والرازق ونحوهما في حقه تعالى قبل وجود الخلق والرزق حقيقة وإن قلنا بحدوث صفات الأفعال أو المعنى ملك الأمور يوم الدين على حد * (ونادى أصحاب الجنة) * (الأعراف: 44) ففي الآية استعارة تبعية كما يفهمه كلامه العلامة البيضاوي في " تفسيره " وعلى التقديرين يصح وقوعه صفة للمعرفة لأن الإضافة حينئذ حقيقية ولا ينافي ذلك التوسع في الظرف لأنه مفعول من حيث المعنى لا من حيث الإعراب أي يتعلق المالك به تعلق المملوكية حتى لو كانت شرائط العمل حاصلة عمل فيه كما قاله الشريف وفيه تأمل والأولى باستمرار الاعتبار اعتبار الاستمرار والمستمر يصح أن تكون إضافته معنوية كما يصح أن لا تكون