الإتقان في علوم القرآن - السيوطي - ج ٢ - الصفحة ٤٦٣
لغتهم وإنما احتيج إلى التفسير لما سيذكر بعد تقرير قاعدة وهي أن كل من وضع من البشر كتابا فإنما وضعه ليفهم بذاته من غير شرح وإنما احتيج إلى الشروح لأمور ثلاثة أحدها كمال فضيلة المصنف فإنه لقوته العلمية يجمع المعاني الدقيقة في اللفظ الوجيز فربما عسر فهم مراده فقصد بالشرح ظهور تلك المعاني الخفية ومن هنا كان شرح بعض الأئمة تصنيفه أدل على المراد من شرح غيره له وثانيها إغفاله بعض تتمات المسألة أو شروط لها اعتمادا على وضوحها أو لأنها من علم آخر فيحتاج الشارع لبيان المحذوف ومراتبه وثالثها احتمال اللفظ لمعان كما في المجاز والاشتراك ودلالة الالتزام فيحتاج الشارح إلى بيان غرض المصنف وترجيحه وقد يقع في التصانيف مالا يخلو عنه بشر من السهو والغلط أو تكرار الشيء أو حذف المبهم وغير ذلك فيحتاج الشارح للتنبيه على ذلك 6270 إذا تقرر هذا فنقول إن القرآن إنما نزل بلسان عربي في زمن أفصح العرب وكانوا يعلمون ظواهره وأحكامه أما دقائق باطنه فإنما كان يظهر لهم بعد البحث والنظر مع سؤالهم النبي صلى الله عليه وسلم في الأكثر كسؤالهم لما نزل قوله * (ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) * فقالوا وأينا لم يظلم نفسه ففسره النبي صلى الله عليه وسلم واستدل عليه بقوله * (إن الشرك لظلم عظيم) * وكسؤال عائشة عن الحساب اليسير فقال (ذلك العرض) وكقصة عدي بن حاتم في الخيط الأبيض والأسود وغير ذلك مما سألوا عن آحاد منه ونحن محتاجون إلى ما كانوا يحتاجون إليه وزيادة على ذلك مما لم يحتاجوا إليه من أحكام الظواهر لقصورنا عن مدارك أحكام اللغة بغير تعلم فنحن أشد الناس احتياجا إلى التفسير ومعلوم أن تفسيره بعضه يكون من قبل بسط الألفاظ الوجيزة وكشف معانيها وبعضه من قبل ترجيح بعض الاحتمالات على بعض انتهى 6271 وقال الخويي علم التفسير عسير يسير أما عسره فظاهر من وجوه أظهرها أنه كلام متكلم لم يصل الناس إلى مراده بالسماع منه ولا إمكان الوصول
(٤٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 458 459 460 461 462 463 464 465 466 467 468 ... » »»