في كلام العلماء وعلى ألسنتهم حتى كاد يكون إجماعا وقد رأيت بعض فضلاء العصر أنكر ذلك وقال إنه لا دليل عليه بل الصواب أنها نزلت مفرقة كالقرآن وأقول الصواب الأول ومن الأدلة على ذلك آية الفرقان السابقة 520 أخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قالت اليهود يا أبا القاسم لولا أنزل هذا القرآن جملة واحدة كما أنزلت التوراة على موسى فنزلت وأخرجه من وجه آخر عنه بلفظ قال المشركون وأخرج نحوه عن قتادة والسدي 521 فإن قلت ليس في القرآن التصريح بذلك وإنما هو على تقدير ثبوته قول الكفار قلت سكوته تعالى عن الرد عليهم في ذلك وعدوله إلى بيان حكمته دليل على صحته ولو كانت الكتب كلها نزلت مفرقة لكان يكفي في الرد عليهم أن يقول إن ذلك سنة الله في الكتب التي أنزلها على الرسل السابقة كما أجاب بمثل ذلك قولهم * (وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق) * فقال * (وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق) * وقولهم * (أبعث الله بشرا رسولا) * فقال * (وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم) * وقولهم كيف يكون رسولا ولا هم له إلا النساء فقال * (ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية) * إلى غير ذلك 522 ومن الأدلة على ذلك أيضا قوله تعالى في إنزال التوراة على موسى يوم الصعقة * (فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء فخذها بقوة) * * (وألقى الألواح) * * (ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة) * * (وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة) * فهذه الآيات كلها دالة على إتيانه التوراة جملة 523 وأخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال
(١٢٢)