عباس وجماعة: معنى " لرفعناه " لشرفنا / ذكره، ورفعنا منزلته لدينا، بهذه الآيات التي آتيناه، ولكنه أخلد إلى الأرض، أي: تقاعس إلى الحضيض الأسفل الأخس من شهوات الدنيا ولذاتها، وذلك أن الأرض وما ارتكن فيها: هي الدنيا وكل ما عليها فإن، ومن أخلد إلى الفاني، فقد حرم حظ الآخرة الباقية.
* ت *: قال الهروي: قوله: (أخلد إلى الأرض): معناه: سكن إلى لذاتها، واتبع هواه، يقال: أخلد إلى كذا، أي: ركن إليه واطمأن به. انتهى.
قال عبد الحق الإشبيلي رحمه الله في " العاقبة ": واعلم رحمك الله، أن لسوء الخاتمة أعاذنا الله منها أسبابا، ولها طرق وأبواب، أعظمها: الإكباب على الدنيا، والإعراض عن الآخرة، وقد سمعت بقصة بلعام بن باعوراء، وما كان آتاه الله تعالى من آياته، وأطلعه عليه من بيناته، وما أراه من عجائب ملكوته، أخلد إلى الأرض، واتبع هواه، فسلبه الله سبحانه جميع ما كان أعطاه، وتركه مع من استماله وأغواه. انتهى.
وقوله: (فمثله كمثل الكلب)، شبه به في أنه كان ضالا قبل أن يؤتى الآيات، ثم أوتيها، فكان أيضا ضالا لم تنفعه، فهو كالكلب في أنه لا يفارق اللهث في كل حال، هذا قول الجمهور.
وقال السدي وغيره: إن هذا الرجل عوقب في الدنيا، فإنه كان يلهث كما يلهث الكلب، فشبه به صورة وهيئة، وذكر الطبري، عن ابن عباس، أن معنى: (إن تحمل عليه): إن تطرده.
وقوله: (ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا)، أي: هذا المثل، يا محمد، مثل هؤلاء الذين كانوا ضالين قبل أن تأتيهم بالهدى والرسالة، ثم جئتهم بها، فبقوا على ضلالتهم، ولم ينتفعوا بذلك، فمثلهم كمثل الكلب.
وقوله: (فاقصص القصص)، أي: اسرد عليهم ما يعلمون أنه من الغيوب التي لا يعلمها إلا أهل الكتب الماضية ولست منهم، (لعلهم يتفكرون) في ذلك، فيؤمنوا.