لحوم الحمر الأنسية، فتأول بعض الصحابة الحاضرين ذلك، لأنها لم تخمس، وتأول بعضهم أن ذلك لئلا تفنى حمولة الناس، وتأول بعضهم التحريم المحض، وثبت في الأمة الاختلاف في لحمها، فجائز لمن ينظر من العلماء أن يحمل لفظ التحريم بحسب اجتهاده وقياسه على كراهية أو نحوها، وباقي الآية بين.
(وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومها إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون (146) فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون (148) قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين (149) قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا فإن شهدوا فلا تشهد معهم ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون (150)).
وقوله سبحانه: (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر...) الآية: هذا خبر من الله سبحانه يتضمن تكذيب اليهود في قولهم: (إن الله لم يحرم علينا شيئا، وإنما حرمنا على أنفسنا ما حرمه إسرائيل على نفسه "، و (كل ذي ظفر): يراد به الإبل، والنعام، والإوز ونحوه من الحيوان الذي هو غير منفرج الأصابع، وله ظفر، وأخبرنا سبحانه في هذه الآية بتحريم الشحوم عليهم، وهي الثروب وشحم الكلى، وما كان شحما خالصا خارجا عن الاستثناء الذي في الآية، واختلف في تحريم ذلك على المسلمين من ذبائحهم، فعن مالك: كراهية شحومهم من غير تحريم.
وقوله تعالى: (إلا ما حملت ظهورهما)، يريد: لا ما اختلط باللحم في الظهر والأجناب ونحوه، قال السدي وأبو صالح: الأليات مما حملت ظهورهما، والحوايا: ما تحوي في البطن، واستدار، وهي المصارين والحشوة ونحوها، وقال ابن عباس وغيره:
هي المباعر، وقوله: (أو ما اختلط بعظم)، يريد: في سائر الشخص.