تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ٥٣٥
((سورة الناس)) مدنية بسم الله الرحمن الرحيم 2 (* (قل أعوذ برب الناس * ملك الناس * إلاه الناس * من شر الوسواس الخناس * الذى يوسوس فى صدور الناس * من الجنة والناس) *)) 2 * (قل أعوذ برب الناس * ملك الناس * إلاه الناس * من شر الوسواس الخناس * الذى * يوسوس فى صدور الناس * من الجنة والناس) *.
تقدم أنها نزلت مع ما قبلها. والخلاف أهي مدنية أم مكية؟ وأضيف الرب إلى الناس، لأن الاستعاذة من شر الموسوس في صدورهم، استعاذوا بربهم مالكهم وإلههم، كما يستعيذ العبد بمولاه إذا دهمه أمر. والظاهر أن * (ملك الناس * إلاه الناس) * صفتان. وقال الزمخشري: هما عطفا بيان، كقولك: سيرة أبي حفص عمر الفاروق بين بملك الناس، ثم زيد بيانا بإله الناس لأنه قد يقال لغيره: رب الناس، كقوله: * (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) *. وقد يقال: ملك الناس، وأما إله الناس فخاص لا شركة فيه، فجعل غاية للبيان، انتهى. وعطف البيان المشهور أنه يكون بالجوامد، وظاهر قوله أنهما عطفا بيان لواحد، ولا أنقل عن النحاة شيئا في عطف البيان، هل يجوز أن يتكرر لمعطوف عليه واحد أم لا يجوز؟.
وقال الزمخشري: فإن قلت: فهلا اكتفى بإظهار المضاف إليه الذي هو الناس مرة واحدة؟ قلت: لأن عطف البيان للبيان، فكان مظنة للإظهار دون الإضمار، انتهى. والوسواس، قالوا: اسم من أسماء الشيطان؟ والوسواس أيضا: ما يوسوس به شهوات النفس، وهو الهوى المنهى عنه. والخناس: الراجع على عقبه، المستتر أحيانا، وذلك في الشيطان متمكن إذا ذكر العبد الله تعالى تأخر. وأما الشهوات فتخنس بالإيمان وبلمة الملك وبالحياء، فهذان المعنيان يندرجان في الوسواس، ويكون معنى * (من الجنة والناس) *: من الشياطين ونفوس الناس، أو يكون الوسواس أريد به الشيطان، والمغري: المزين من قرناء السوء، فيكون * (من الجنة والناس) *، تبيينا لذلك الوسواس. قال تعالى: * (عدوا شياطين الإنس والجن يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا) *. وقال قتادة: إن من الإنس شياطين، ومن الجن شياطين، فنعوذ بالله منهم. وقال أبو ذر لرجل: هل تعوذت من شياطين الإنس؟
وقال الزمخشري: * (الوسواس) * اسم بمعنى الوسوسة، كالزلزال بمعنى الزلزلة؛ وأما المصدر فوسواس بالكسر كزلزال، والمراد به الشيطان، سمي بالمصدر كأنه وسوسة في نفسه، لأنها صنعته وشغله الذي هو عاكف عليه؛ أو أريد ذو الوسواس. وقد تكلمنا معه في دعواه أن الزلزال بالفتح اسم وبالكسر مصدر في * (إذا زلزلت) *، ويجوز في الذي الجر على الصفة، والرفع والنصب على الشتم، ومن في * (من الجنة والناس) * للتبعيض، أي كائنا من الجنة والناس، فهي في موضع الحال أي ذلك الموسوس هو بعض الجنة وبعض الناس. وقال الزمخشري: ويجوز أن يكون من متعلقا بيوسوس، ومعناه ابتداء الغاية، أي يوسوس في صدورهم من جهة الجنة ومن جهة الناس، انتهى.
ولما كانت مضرة الدين، وهي آفة الوسوسة، أعظم من مضرة الدنيا وإن عظمت، جاء البناء في الاستعاذة منها بصفات ثلاث: الرب والملك والإله، وإن اتحد المطلوب، وفي
(٥٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 526 527 528 529 530 531 532 533 534 535 536 » »»