وقال الشاعر يصف الثور الوحشي:
* حتى إذا ما انجلى عن وجهه فلق * هاديه في أخريات الليل منتصب * وقيل: الفلق: كلما يفلقه الله تعالى، كالأرض والنبات والجبال عن العيون، والسحاب عن المطر، والأرحام عن الأولاد، والحب والنوى وغير ذلك. وقال ابن عباس أيضا وجماعة من الصحابة والتابعين: الفلق: جب في جهنم، ورواه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وقالوا: لما اطمأن من الأرض الفلق، وجمعه فلقان. وقيل: واد في جهنم. وقال بعض الصحابة: بيت في جهنم، إذا فتح صاح جميع أهل النار من شدة حره.
وقرأ الجمهور: * (من شر ما خلق) *، بإضافة شر إلى ما، وما عام يدخل فيه جميع من يوجد منه الشر من حيوان مكلف وغير مكلف وجماد، كالإحراق بالنار، والإغراق بالبحر، والقتل بالسم. وقرأ عمرو بن فايد: من شر بالتنوين. وقال ابن عطية: وقرأ عمرو بن عبيد، وبعض المعتزلة القائلين بأن الله تعالى لم يخلق الشر: من شر بالتنوين، ما خلق على النفي، وهي قراءة مردودة مبنية على مذهب باطل، الله خالق كل شيء، ولهذه القراءة وجه غير النفي، فلا ينبغي أن ترد، وهو أن يكون * (ما خلق) * بدلا من * (شر) * على تقدير محذوف، أي من شر شر ما خلق، فحذف لدلالة شر الأول عليه، أطلق أولا ثم عم ثانيا. والغاسق: الليل، ووقب: أظلم ودخل على الناس، قاله ابن عباس والحسن ومجاهد، وزمكه الزمخشري على عادته فقال: والغاسق: الليل إذا اعتكر ظلامه. من قوله تعالى: * (أقم الصلواة لدلوك) *، ومنه: غسقت العين: امتلأت دمعا، وغسقت الجراحة: امتلأت دما، ووقوبه: دخول ظلامه في كل شيء، انتهى. وقال الزجاج: هو الليل لأنه أبرد من النهار، والغاسق: البارد، استعيذ من شره لأنه فيه تنبث الشياطين والهوام والحشرات وأهل الفتك. قال الشاعر:
* يا طيف هند لقد أبقيت لي أرقا * إذ جئتنا طارقا والليل قد غسقا * وقال محمد بن كعب: النهار دخل في الليل. وقال ابن شهاب: المراد بالغاسق: الشمس إذا غربت. وقال القتبي وغيره: هو القمر إذا دخل في ساهوره فخسف. وفي الحديث: (نظر صلى الله عليه وسلم) إلى القمر فقال: يا عائشة، نعوذ بالله من هذا، فإنه الفاسق إذا وقب). وعنه صلى الله عليه وسلم): (الغاسق النجم). وقال ابن زيد عن العرب: الغاسق: الثريا إذا سقطت، وكانت الأسقام والطاعون تهيج عند ذلك. وقيل: الحية إذا لدغت، والغاسق سم نابها لأنه يسيل منه. والنفاثات: النساء، أو النفوس، أو الجماعات السواحر، يعقدن عقدا في خيوط وينفثن عليها ويرقين. وقرأ الجمهور: * (النفاثات) *؛ والحسن: بضم النون، وابن عمر والحسن أيضا وعبد الله بن القاسم ويعقوب في رواية النافثات؛ والحسن أيضا وأبو الربيع: النفثات بغير ألف، نحو الخدرات. والاستعاذة من شرهن هو ما يصيب الله تعالى به من الشر عند فعلهن ذلك.
وسبب نزول هاتين المعوذتين ينفي ما تأوله الزمخشري من قوله: ويجوز أن يراد به النساء ذات الكيادات من قوله: * (إن كيدكن عظيم) *، تشبيها لكيدهن بالسحر والنفث في العقد، أو اللاتي يفتن الرجال بتعرضهن لهم، وعرضهن محاسنهن، كأنهن يسحرنهم بذلك، انتهى.
وقال ابن عطية: وهذا النفث هو على عقد تعقد في خيوط ونحوها على اسم المسحور فيؤذي بذلك، وهذا الشأن في زماننا موجود شائع في صحرا المغرب. وحدثني ثقة أنه رأى عند بعضهم خيطا أحمر قد عقدت فيه عقد على فصلان، فمنعت من رضاع أمهاتها بذلك، فكان إذا حل عقدة جرى ذلك الفصيل إلى أمه في الحين فرضع، انتهى.
وقيل: الغاسق والحاسد بالطرف، لأنه إذا لم يدخل الليل لا يكون منسوبا إليه، وكذا كل ما فسر به