للفاعل، مثلها نصبا، وعنه: نخلق بالنون والضمير في مثلها عائد على المدينة التي هي ذات العماد في البلاد، أي في بلاد الدنيا، أو عائد على القبيلة، أي في عظم أجسام وقوة. وقرأ ابن وثاب وثمود بالتنوين. والجمهور: بمنع الصرف. * (جابوا الصخر) *: خرقوه ونحتوه، فاتخذوا في الحجارة منها بيوتا، كما قال تعالى: * (وتنحتون من الجبال) * بيوتا. قيل: أول من نحت الجبال والصخور والرخام ثمود، وبنوا ألفا وسبعمائة مدينة كلها بالحجارة بالوادي، وادي القرى. وقيل: جابوا واديهم وجلبوا ماءهم في صخر شقوه فعل ذي القوة والآمال. * (ذى * الاوتاد) *: تقدم الكلام على ذلك في سورة ص. * (الذين) * صفة لعاد وثمود وفرعون، أو منصوب على الذم، أو مرفوع على إضمارهم. * (فصب عليهم ربك سوط عذاب) *: أبهم هنا وأوضح في الحاقة وفي غيرها، ويقال: صب عليه السوط وغشاه وقنعه، واستعمل الصب لاقتضائه السرعة في النزول على المضروب، قال:
* فصب عليهم محصرات كأنها * شآبيب ليست من سحاب ولا قطر * يريد: المحدودين في قصة الإفك. وقال بعض المتأخرين في صفة الحبل:
* صببنا عليهم ظالمين شياطنا * فطارت بها أيد سراع وأرجل * وخص السوط فاستعير للعذاب، لأنه يقتضي من التكرار والترداد ما لا يقتضيه السيف ولا غيره. وقال الزمخشري: وذكر السوط إشارة إلى أن ما أحله بهم في الدنيا من العذاب العظيم بالقياس إلى ما أعد لهم في الآخرة، كالسوط إذا قيس إلى سائر ما يعذب به. والمرصاد والمرصد: المكان الذي يترتب فيه الرصد، مفعال من رصده، وهذا مثل لإرصاده العصاة بالعقاب وأنهم لا يفوتونه. قال ابن عطية: ويحتمل أن يكون المرصاد في الآية اسم فاعل، كأنه قال: لبالراصد، فعبر ببناء المبالغة، انتهى. ولو كان كما زعم، لم تدخل الباء لأنها ليست في مكان دخولها، لا زائدة ولا غير زائدة.
* (فأما الإنسان) *: ذكر تعالى ما كانت قريش تقوله وتستدل به على إكرام الله تعالى وإهانته لعبده، فيرون المكرم من عنده الثروة والأولاد، والمهان ضده. ولما كان هذا غالبا عليهم وبخوا بذلك. والإنسان اسم جنس، ويوجد هذا في كثير من أهل الإسلام. وقال الزمخشري: فإن قلت: بم اتصل قوله: * (فأما الإنسان) *؟ قلت: بقوله: * (إن ربك لبالمرصاد) *، كأنه قال: إن الله تعالى لا يريد من الإنسان إلا الطاعة والسعي للعاقبة، وهو مرصد للعاصي؛ فأما الإنسان فلا يريد ذلك ولا يهمه إلا العاجلة وما يلذه وينعمه فيها، انتهى. وفيه التصريح بمذهب الاعتزال في قوله: لا يريد من الإنسان إلا الطاعة. وإذا العامل فيه فيقول: والنية فيه التأخير، أي فيقول كذا وقت الابتداء، وهذه الفاء لا تمنع أن يعمل ما بعدها فيما قبلها، وإن كانت فاء دخلت في خبر المبتدأ لأجل أما التي فيها معنى الشرط، وبعد أما الثانية مضمر به وقع التوازن بين الجملتين تقديره: فأما إذا هو ما ابتلاه، وفيقول خبر عن ذلك المبتدأ المضمر، وابتلاه معناه: اختبره، أيشكر أم يكفر إذا بسط له؟ وأيصبر أم بجزع إذا ضيق عليه؟ لقوله تعالى: * (ونبلوكم بالشر والخير فتنة) *. وقابل ونعمه بقوله: * (فقدر عليه رزقه) *، ولم يقابل * (فأكرمه) * بلفظ فأهانه، لأنه ليس من يضيق عليه الرزق، كان ذلك إهانة له. ألا ترى إلى ناس كثير من أهل الصلاح مضيقا عليهم الرزق كحال الإمام أبي سليمان داود بن علي الأصبهاني رضي الله تعالى عنه وغيره، وذم الله تعالى العبد في حالتيه هاتين.
أما في قوله: * (فيقول ربى أكرمن) *، فلأنه إخبار منه على أنه يستحق الكرامة ويستوجبها. وأما قوله: * (أهانن) *، فلأنه سمى ترك التفضيل من الله تعالى إهانة وليس بإهانة، أو يكون إذا تفضل عليه أقر بإحسان الله إليه، وإذا لم يتفضل عليه سمى ترك تفضل الله إهانة، لا إلى الاعتراف بقوله: * (أكرمن) *. وقرأ ابن كثير: أكرمني وأهانني بالياء فيهما؛ ونافع: بالياء وصلا وحذفها وقفا، وخير في الوجهين أبو عمرو، وحذفها باقي السبعة فيهما وصلا ووقفا، ومن حذفها وقفا سكن النون فيه. وقرأ الجمهور: * (فقدر) * بخف الدال؛ وأبو جعفر وعيسى وخالد والحسن بخلاف عنه؛ وابن عامر: بشدها. قال الجمهور: هما بمعنى واحد بمعنى ضيق، والتضعيف