تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ٤٦٤
فيه، وذلك قليل الطائل جدير بالتلهي عنه، انتهى.
* (واليل إذا يسر) *: قسم بجنس الليل، ويسري: يذهب وينقرض، كقوله: * (واليل إذا * أدبر) *. وقال الأخفش وابن قتيبة: يسري فيه، فيكون من باب ليلك نائم. وقال مجاهد وعكرمة والكلبي: المراد ليلة جمع لأنه يسري فيها، وجواب القسم محذوف. قال الزمخشري: وهو لنعذبن، يدل عليه قوله: * (ألم تر) * إلى قوله: * (فصب عليهم ربك سوط عذاب) *. وقال ابن الأنباري: الجواب: * (إن ربك لبالمرصاد) *. والذي يظهر أن الجواب محذوف يدل عليه ما قبله من آخر سورة الغاشية، وهو قوله: * (إن إلينا إيابهم * ثم إن علينا حسابهم) *، وتقديره: لإيابهم إلينا وحسابهم علينا. وقول مقاتل: هل هنا في موضع تقديره: إن في ذلك قسما لذي حجر. فهل على هذا في موضع جواب القسم، قول لم يصدر عن تأمل، لأن المقسم عليه على تقدير أن يكون التركيب إن في ذلك قسما لذي حجر لم يذكر، فيبقى قسم بلا مقسم عليه، لأن الذي قدره من إن في ذلك قسما لذي حجر لا يصح أن يكون مقسما عليه، وهل في ذلك تقرير على عظم هذه الأقسام، أي هل فيها مقنع في القسم لذي عقل فيزدجر ويفكر في آيات الله. ثم وقف المخاطب على مصارع الأمم الكافرة الماضية مقصودا بذلك توعد قريش، ونصب المثل لها. وعاد هو عاد بن عوص، وأطلق ذلك على عقبه، ثم قيل للأولين منهم عادا الأولى وإرم، نسبة لهم باسم جدهم ولمن بعدهم عاد الأخيرة. وقال مجاهد وقتادة: هي قبيلة بعينها. وقال ابن إسحاق: إرم هو أبو عاد كلها.
وقال الجمهور: إرم مدينة لهم عظيمة كانت على وجه الدهر باليمن. وقال محمد بن كعب: هي الإسكندرية. وقال ابن المسيب والمقبري: هي دمشق. وقال مجاهد أيضا: إرم معناه القديمة. وقرأ الجمهور: بعاد مصر، وفا إرم بكسر الهمزة وفتح الراء والميم ممنوع الصرف للتأنيث والعلمية لأنه اسم للقبيلة، وعاد، وإن كان اسم القبيلة، فقد يلحظ فيه معنى الحي فيصرف أولا يلحظ، فجاء على لغة من صرف هندا، وإرم عطف بيان أو بدل. وقرأ الحسن: بعاد غير ممنوع الصرف مضافا إلى إرم، فجاز أن يكون إرم وجدا ومدينة؛ والضحاك: إرم بفتح الراء وما بعدها ممنوعي الصرف. وقرأ ابن الزبير: بعاد بالإضافة، إرم بفتح الهمزة وكسر الراء، وهي لغة في المدينة، والضحاك: بعاد مصروفا، وبعاد غير مصروف أيضا، أرم بفتح الهمزة وسكون الراء تخفيف أرم بكسر الراء؛ وعن ابن عباس والضحاك: أرم فعلا ماضيا، أي بلي، يقال: رم العظم وأرم هو: أي بلي، وأرمه غيره معدى بالهمزة من رم الثلاثي. وذات على هذه القراءة مكسورة التاء؛ وابن عباس أيضا: فعلا ماضيا، ذات بنصب التاء على المفعول به، وذات بالكسر صفة لإرم؛ وسواء كانت اسم قبيلة أو مدينة، وإن كان يترجح كونها مدينة بقوله: * (لم يخلق مثلها فى البلاد) *، فإذا كانت قبيلة صح إضافة عاد إليها وفكها منها بدلا أو عطف بيان، وإن كانت مدينة فالإضافة إليها ظاهرة والفك فيها يكون على حذف مضاف، أي بعاد أهل إرم ذات العماد.
وقرئ: * (إرم ذات) *، بإضافة إرم إلى ذات، والإرم: العلم، يعني بعاد: أعلام ذات العماد. ومن قرأ: أرم فعلا ماضيا، ذات بالنصب، أي جعل الله ذات العماد رميما، ويكون * (إرم) * بدلا من * (فعل ربك) * وتبيينا لفعل، وإذا كانت * (ذات العماد) * صفة للقبيلة. فقال ابن عباس: هي كناية عن طول أبدانهم، ومنه قيل: رفيع العماد، شبهت قدودهم بالأعمدة، ومنه قولهم: رجل عمد وعمدان أي طويل. وقال عكرمة ومقاتل: أعمدة بيوتهم التي كانوا يرحلون بها لأنهم كانوا أهل عمود. وقال ابن زيد: أعمدة بنيانهم، وإذا كانت صفة للمدينة، فأعمدة الحجارة التي بنيت بها. وقيل: القصور العالية والأبراج يقال لها عماد. وحكي عن مجاهد: أرم مصدر، أرم يأرم إذا هلك، والمعنى: كهلاك ذات العماد، وهذا قول غريب، كأن معنى * (كيف فعل ربك بعاد) *: كيف أهلك عادا كهلاك ذات العماد. وذكر المفسرون أن ذات العماد مدينة ابتناها شداد بن عاد لما سمع بذكر الجنة على أوصاف بعيد، أو مستحيل عادة أن يبنى في الأرض مثلها، وأن الله تعالى بعث عليها وعلى أهله صيحة قبل أن يدخلها هلكوا جميعا، ويوقف على قصتهم في كتاب التحرير وشئ منها في الكشاف.
وقرأ الجمهور: * (لم يخلق) * مبنيا للمفعول، مثلها رفع؛ وابن الزبير: مبنيا
(٤٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 459 460 461 462 463 464 465 466 467 468 469 ... » »»