نحو هذا، وخرجت النار فأحرقت الكافرين الذين كانوا على حافتي الأخدود، فعلى هذا يكون القتل حقيقة لا بمعنى اللعن، ويكون خبرا عن ما فعله الله بالكفار والذين أرادوا أن يفتنوا المؤمنين عن دينهم. وقول هؤلاء مخالف لقول الجمهور ولما دل عليه القصص الذي ذكروه. وقرأ الجمهور: * (النار) * بالجر، وهو بدل اشتمال، أو بدل كل من كل على تقدير محذوف، أي أخدود النار. وقرأ قوم النار بالرفع. قيل: وعلى معنى قتلهم، ويكون أصحاب الأخدود إذ ذاك المؤمنين، وقتل على حقيقته. وقرأ الحسن وأبو رجاء وأبو حيوة وعيسى: الوقود بضم الواو وهو مصدر، والجمهور: بفتحها، وهو ما يوقد به. وقد حكى سيبويه أنه بالفتح أيضا مصدر كالضم. والظاهر أن الضمير في * (إذ هم) * عائد على الذين يحرقون المؤمنين، وكذلك في * (وهم) * على قول الربيع يعود على الكافرين، ويكون هم أيضا عائدا عليهم، ويكون معنى * (على ما يفعلون) *: ما يريدون من فعلهم بالمؤمنين. وقيل: أصحاب الأخدود محرق، وتم الكلام عند قوله: * (ذات الوقود) *، ويكون المراد بقوله: * (وهم) * قريش الذين كانوا يفتنون المؤمنين والمؤمنات، وإذا العامل فيه قتل، أي لعنوا وقعدوا على النار، أو على ما يدنو منها من حافات الأخدود، كما قال الأعشى:
* تشب لمقرورين يصطليانها * وبات على النار الندى والمحلق * * (شهود) *: يشهد بعضهم لبعض عند الملك، أي لم يفرط فيما أمر به، أو شهود يوم القيامة على ما فعلوا بالمؤمنين، يوم تشهد عليهم جوارحهم بأعمالهم. وقرأ الجمهور: * (نقموا) * بفتح القاف؛ وزيد بن علي وأبو حيوة وابن أبي عبلة: بكسرها، أي ما عابوا ولا أنكروا الإيمان، كقوله: * (هل تنقمون منا إلا أن ءامنا بالله) *، وكقول قيس الرقيات:
* ما نقموا من بني أمية إلا * أنهم يحلمون أن غضبوا * جعلوا ما هو في غاية الحسن قبيحا حتى نقموا عليه، كما قال الشاعر:
* ولا عيب فيها غير شكلة عينها * كذاك عتاق الطير شكلا عيونها * وفي المنتخب: إنما قال * (إلا أن يؤمنوا) *، لأن التعذيب إنما كان واقعا على الإيمان في المستقبل، ولو كفروا في المستقبل لم يعذبوا على ما مضى، فكأنه قال: إلا أن يدعوا على إيمانهم. انتهى. وذكر الأوصاف التي يستحق بها تعالى أن يؤمن به، وهو كونه تعالى عزيزا غالبا قادرا يخشى عقابه، حميدا منعما يجب له الحمد على نعمته، له ملك السماوات والأرض وكل من فيهما يحق عليه عبادته والخشوع له تقريرا لأن ما نقموا منهم هو الحق الذي لا ينقمه إلا مبطل منهمك في الغي.
* (والله على كل شىء شهيد) *: وعيد لهم، أي إنه علم ما فعلوا فهو يجازيهم. والظاهر أن * (الذين فتنوا) * عام في كل من ابتلى المؤمنين والمؤمنات بتعذيب أو أذى، وأن لهم عذابين: عذابا لكفرهم، وعذابا لفتنتهم. وقال الزمخشري: يجوز أن يريد بالذين فتنوا أصحاب الأخدود خاصة، وبالذين آمنوا المطروحين في الأخدود، ومعنى فتنوهم: عذبوهم بالنار وأحرقوهم، * (فلهم) * في الآخرة * (عذاب جهنم) * بكفرهم، * (ولهم عذاب الحريق) *: وهي نار أخرى عظيمة تتسع كما يتسع الحريق، أو لهم عذاب جهنم في الآخرة، ولهم عذاب الحريق في الدنيا لما روى أن النار انقلبت عليهم فأحرقتهم، انتهى. وينبغي أن لا يجوز هذا الذي جوزه، لأن في الآية * (ثم لم يتوبوا) *، وأولئك المحرقون لم ينقل لنا أن أحدا منهم تاب، بل الظاهر أنهم لم يلعنوا إلا وهم قد ماتوا على الكفر. وقال ابن عطية: * (ثم لم يتوبوا) * يقوي أن الآيات في قريش، لأن هذا اللفظ في قريش