تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ٢٣٦
عن أبي عمر وخبير: بما يعملون بالياء من تحت، والجمهور بالتاء.
قوله عز وجل * (خبير يأيها الذين ءامنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدى نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر فإن لم تجدوا فإن الله (سقط: إلى آخر الآية)) *.
* (الذين تولوا) *: هم المنافقون، والمغضوب عليهم: هم اليهود، عن السدي ومقاتل، أنه صلى الله عليه وسلم) قال لأصحابه: (يدخل عليكم رجل قلبه قلب جبار وينظر بعيني شيطان)، فدخل عبد الله بن أبي بن سلول، وكان أزرق أسمر قصيرا، خفيف اللحية، فقال عليه الصلاة والسلام: (علام تشتمني أنت وأصحابك)؟ فحلف بالله ما فعل، فقال عليه الصلاة والسلام له: (فعلت)، فجاء بأصحابه فحلفوا بالله ما سبوه، فنزلت. والضمير في * (ما هم) * عائد على * (الذين تولوا) *، وهم المنافقون: أي ليسوا منكم أيها المؤمنون، * (ولا منهم) *: أي ليسوا من الذين تولوهم، وهم اليهود. وما هم استئناف إخبار بأنهم مذبذبون، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، كما قال عليه الصلاة والسلام: (مثل المنافق مثل الشاة العائرة بين الغنمين لأنه مع المؤمنين بقوله ومع الكفار بقلبه). وقال ابن عطية: يحتمل تأويلا آخر، وهو أن يكون قوله: * (ما هم) * يريد به اليهود، وقوله: * (ولا منهم) * يريد به المنافقين، فيجيء فعل المنافقين على هذا التأويل أحسن، لأنهم تولوا مغضوبا عليهم، ليسوا من أنفسهم فيلزمهم ذمامهم، ولا من القوم المحقين فتكون الموالاة صوابا. انتهى. والظاهر التأويل الأول، لأن الذين تولوا هم المحدث عنهم. والضمير في * (ويحلفون) * عائد عليهم، فتتناسق الضمائر لهم ولا تختلف. وعلى هذا التأويل يكون * (ما هم) * استئنافا، وجاز أن يكون حالا من ضمير * (تولوا) *. وعلى احتمال ابن عطية، يكون * (ما هم) * صفة لقوم. * (ويحلفون على الكذب) *، إما أنهم ما سبوا، كما روي في سبب النزول، أو على أنهم مسلمون. والكذب هو ما ادعوه من الإسلام. * (وهم يعلمون) *: جملة حالية يقبح عليهم، إذ حلفوا على خلاف ما أبطنوا، فالمعنى: وهم عالمون متعمدون له. والعذاب الشديد: المعد لهم في الآخرة. وقرأ الجمهور: * (أيمانهم) * جمع يمين؛ والحسن: إيمانهم، بكسر الهمزة: أي ما يظهرون من الإيمان، * (جنة) *: أي ما يتسترون به ويتقون المحدود، وهو الترس، * (فصدوا) *: أي أعرضوا، أو صدوا الناس عن الإسلام، إذ كانوا يثبطون من لقوا عن الإسلام ويضعفون أمر الإيمان وأهله، أو صدوا المسلمين عن قتلهم بإظهار الإيمان، وقتلهم هو سبيل الله فيهم، لكن ما أظهروه من الإسلام صدوا به المسلمين عن قتلهم.
* (لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا) *: تقدم الكلام على هذه الجملة في أوائل آل عمران. * (فيحلفون له) *: أي لله تعالى. ألا ترى إلى قولهم: * (والله ربنا ما كنا مشركين) *؟ * (كما يحلفون لكم) * أنهم مؤمنون، وليسوا بمؤمنين. والعجب منهم، كيف يعتقدون أن كفرهم يخفى على عالم الغيب والشهادة، ويجرونه مجرى المؤمنين في عدم اطلاعهم على كفرهم ونفاقهم؟ والمقصود أنهم مقيمون على الكذب، قد تعودوه حتى كان على ألسنتهم في الآخرة كما كان في الدنيا، * (ويحسبون أنهم على شىء) *: أي شيء نافع لهم.
* (استحوذ عليهم الشيطان) *: أي أحاط بهم من كل جهة، وغلب على نفوسهم واستولى عليها
(٢٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 231 232 233 234 235 236 237 238 239 240 241 ... » »»