تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ٢٣١
رسول الله لا تفعل، فإني وحيدة ليس لي أهل سواه، فراجعها بمثل مقالته فراجعته، فهذا هو جدالها، وكانت في خلال ذلك تقول: اللهم إن لي منه صبية صغارا، إن ضممتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إلي جاعوا. فهذا هو اشتكاؤها إلى الله، فنزل الوحي عند جدالها.
قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: سبحان من وسع سمعه الأصوات. كان بعض كلام خولة يخفى علي، وسمع الله جدالها، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم) إلى أوس وعرض عليه كفارة الظهار: (العتق)، فقال: ما أملك، و (الصوم)، فقال: ما أقدر، و (الاطعام)، فقال: لا أجد إلا أن تعينني، فأعانه صلى الله عليه وسلم) بخمسة عشر صاعا ودعا له، فكفر بالإطعام وأمسك أهله. وكان عمر، رضي الله تعالى عنه، يكرم خولة إذا دخلت على ه ويقول: قد سمع الله لها. وقال الزمخشري: معنى قد: التوقع، لأنه صلى الله عليه وسلم) والمجادلة كانا متوقعين أن يسمع الله مجادلتها وشكواها، وينزل في ذلك ما يفرح عنها. انتهى.
وقرأ الحرميان وأبو عمرو: يظهرون بشدهما؛ والأخوان وابن عامر: يظاهرون مضارع ظاهر؛ وأبي: يتظاهرون، مضارع تظاهر؛ وعنه: يتظهرون، مضارع تظهر؛ والمراد به كله الظهار، وهو قول الرجل لامرأته: أنت علي كظهر أمي، يريد في التحريم، كأنه إشارة إلى الركوب، إذ عرفه في ظهور الحيوان. والمعنى أنه لا يعلوها كما لا يعلو أمه، ولذلك تقول العرب في مقابلة ذلك: نزلت عن امرأتي، أي طلقتها. وقوله: * (منكم) *، إشارة إلى توبيخ العرب وتهجين عادتهم في الظهار، لأنه كان من إيمان أهل جاهليتهم خاصة دون سائر الأمم.
وقرأ الجمهور: * (أمهاتهم) *، بالنصب على لغة الحجاز؛ والمفضل عن عاصم: بالرفع على لغة تميم؛ وابن مسعود: بأمهاتهم، بزيادة الباء. قال الزمخشري: في لغة من ينصب. انتهى. يعني أنه لا تزاد الباء في لغة تميم، وهذا ليس بشيء، وقد رد ذلك على الزمخشري. وزيادة الباء في مثل: ما زيد بقائم، كثير في لغة تميم، والزمخشري تبع في ذلك أبا علي الفارسي رحمه الله. ولما كان معنى كظهر أمي: كأمي في التحريم، ولا يراد خصوصية الظهر الذي هو من الجسد، جاء النفي بقوله: * (ما هن أمهاتهم) *، ثم أكد ذلك بقوله: * (أمهاتهم إن) *: أي حقيقة، * (إلا اللائى ولدنهم) * وألحق بهن في التحريم أمهات الرضاع وأمهات المؤمنين أزواج الرسول صلى الله عليه وسلم)، والزوجات لسن بأمهات حقيقة ولا ملحقات بهن. فقول المظاهر منكر من القول تنكره الحقيقة وينكره الشرع، وزور: كذب باطل منحرف عن الحق، وهو محرم تحريم المكروهات جدا، فإذا وقع لزم، وقد رجى تعالى بعده بقوله: * (وإن الله لعفو غفور) * مع الكفارة. وقال الزمخشري: * (وإن الله لعفو غفور) * لما سلف منه إذ تاب عنه ولم يعد إليه. انتهى، وهي نزغة اعتزالية.
والظاهر أن الظهار لا يكون إلا بالأم وحدها. فلو قال: أنت علي كظهر أختي أو ابنتي، لم يكن ظهارا، وهو قول قتادة والشعبي وداود، ورواية أبي ثور عن الشافعي. وقال الجمهور: الحسن والنخعي والزهري والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة ومالك والشافعي في قول هو ظهار، والظاهر أن الذمي لا يلزمه ظهاره لقوله: * (منكم) *، أي من المؤمنين وبه قال أبو حنيفة والشافعي لكونها ليست من نسائه. وقال مالك: يلزمه ظهاره إذا نكحها، ويصح من المطلقة الرجعية. وقال: المزني لا يصح. وقال بعض العلماء: لا يصح ظهار غير المدخول بها، ولو ظاهر من أمته التي يجوز له وطئها، لزمه عند مالك. وقال
(٢٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 226 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 ... » »»