وتقدمت هذه المادة في قوله تعالى: * (ألم نستحوذ عليكم) * في النساء، وأنها من حاذ الحمار العانة إذا ساقها، وجمعها غالبا لها، ومنه كان أحوذيا نسيج وحده. وقرأ عمر: استحاذ، أخرجه على الأصل والقياس، واستحوذ شاذ في القياس فصيح في الاستعمال. * (فأنساهم ذكر الله) *: فهم لا يذكرونه، لا بقلوبهم ولا بألسنتهم؛ و * (حزب الشيطان) *: جنده، قاله أبو عبيدة. * (أولئك فى الاذلين) *: هي أفعل التفضيل، أي في جملة من هو أذل خلق الله تعالى، لا ترى أحدا أذل منهم.
وعن مقاتل: لما فتح الله مكة للمؤمنين، والطائف وخيبر وما حولهم، قالوا: نرجو أن يظهرنا الله على فارس والروم، فقال عبد الله بن أبي: أتظنون الروم وفارس كبعض القرى التي غلبتم عليها؟ والله إنهم لأكثر عددا وأشد بطشا من أن تظنوا فيهم ذلك، فنزلت: * (كتب الله لاغلبن أنا ورسلى) *: * (كتاب) *: أي في اللوح المحفوظ، أو قضى. وقال قتادة: بمعنى قال، * (ورسلى) *: أي من بعثت منهم بالحرب ومن بعثت منهم بالحجة. * (إن الله قوى) *: ينصر حزبه، * (عزيز) *: يمنعه من أن يذل.
* (لا تجد قوما) *، قال الزمخشري، من باب التخييل: خيل أن من الممتنع المحال أن تجد قوما مؤمنين يوادون المشركين، والغرض منه أنه لا ينبغي أن يكون ذلك، وحقه أن يمتنع، ولا يوجد بحال مبالغة في النهي عنه والزجر عن ملابسته والتصلب في مجانبة أعداء الله. وزاد ذلك تأكيدا بقوله: * (ولو كانوا ءاباءهم) *. انتهى. وبدأ بالآباء لأنهم الواجب على الأولاد طاعتهم، فنهاهم عن موادتهم. وقال تعالى: * (وإن جاهداك على أن تشرك بى ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما فى الدنيا معروفا) *، ثم ثنى بالأبناء لأنهم أعلق بالقلوب، ثم أتى ثالثا بالإخوان لأنهم بهم التعاضد، كما قيل:
* أخاك أخاك إن من لا أخا له * كساع إلى الهيجاء بغير سلاح * ثم رابعا بالعشيرة، لأن بها التناصر، وبهم المقاتلة والتغلب والتسرع إلى ما دعوا إليه، كما قال:
* لا يسألون أخاهم حين يندبهم * في النائبات على ما قال برهانا * وقرأ الجمهور: * (كتاب) * مبنيا للفاعل، * (فى قلوبهم الإيمان) * نصبا، أي كتب الله. وأبو حيوة والمفضل عن عاصم: كتب مبنيا للمفعول، والإيمان رفع. والجمهور: * (أو عشيرتهم) * على الإفراد؛ وأبو رجاء: على الجمع، والمعنى: أثبت الإيمان في قلوبهم وأيدهم بروح منه تعالى، وهو الهدى والنور واللطف. وقيل: الروح: القرآن. وقيل: جبريل يوم بدر. وقيل: الضمير في منه عائد على الإيمان، والإنسان في نفسه روح يحيا به المؤمن، والإشارة بأولئك كتب إلى الذين لا يوادون من حاد الله ورسوله. قيل: والآية نزلت في أبي حاطب بن أبي بلتعة. وقيل: الظاهر أنها متصلة بالآي التي في المنافقين الموالين لليهود. وقيل: نزلت في ابن أبي وأبي بكر الصديق، رضى الله تعالى عنه، كان منه سب للرسول صلى الله عليه وسلم)، فصكه أبو بكر صكة سقط منها، فقال له الرسول عليه الصلاة والسلام: (أوفعلته)؟ قال: نعم، قال: (لا تعد)، قال: والله لو كان السيف قريبا مني لقتلته. وقيل: في أبي عبيدة بن الجراح، قتل أباه عبد الله بن الجراح يوم أحد، وفي