معطوفا على المصدقين، لأن المعطوف على الصلة صلة، وقد فصل بينهما بمعطوف، وهو قلوه: * (والمصدقات) *. ولا يصح أيضا أن يكون معطوفا على صلة أل في المصدقات لاختلاف الضمائر، إذ ضمير المتصدقات مؤنث، وضمير وأقرضوا مذكر، فيتخرج هنا على حذف الموصول لدلالة ما قبله عليه، لأنه قيل: والذين أقرضوا، فيكون مثل قوله:
* فمن يهجو رسول الله منكم * ويمدحه وينصره سواء * يريد: ومن يمدحه، وصديق من أبنية المبالغة. قال الزجاج: ولا يكون فيما أحفظ إلا من ثلاثي. وقيل: يجيء من غير الثلاثي كمسيك، وليس بشيء، لأنه يقال: مسك وأمسك، فمسيك من مسك. * (والشهداء) *: الظاهر أنه مبتدأ خبره ما بعده، فيقف على الصديقون، وإن شئت فهو من عطف الجمل، وهذا قول ابن عباس ومسروق والضحاك. إن الكلام تام في قوله: * (الصديقون) *، واختلف هؤلاء، فبعض قال: الشهداء هم الأنبياء، يشهدون للمؤمنين بالصديقية لقوله: * (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد) * الآية؛ وبعض قال: هم الشهداء في سبيل الله تعالى، استأنف الخبر عنهم، فكأنه جعلهم صنفا مذكورا وحده لعظم أجرهم. وقال ابن مسعود ومجاهد وجماعة: والشهداء معطوف على الصديقون، والكلام متصل، يعنون من عطف المفرادت، فبعض قال: جعل الله كل مؤمن صديقا وشهيدا، قاله مجاهد. وفي الحديث، من رواية البراء: (مؤمنو أمتي شهداء)، وإنما ذكر الشهداء السبعة تشريفا لهم لأنهم في أعلى رتب الشهادة، كما خص المقتول في سبيل الله من السبعة بتشريف تفرد به، وبعض قال: وصفهم بالصديقية والشهادة من قوله تعالى: * (لتكونوا شهداء على الناس) *. * (لهم أجرهم) *: خبر عن الشهداء فقط، أو عن من جمع بين الوصفين على اختلاف القولين. والظاهر في نورهم أنه حقيقة. وقال مجاهد وغيره: عبارة عن الهدى والكرامة والبشرى.
* (اعلموا أنما الحيواة الدنيا لعب) *: أخبر تعالى بغالب أمرها من اشتمالها على أشياء لا تدوم ولا تجدي، وأما ما كان من الطاعات وضروري ما يقوم به الأود، فليس مندرجا في هذه الآية. * (لعب ولهو) *، كحالة المترفين من الملوك. * (وزينة) *: تحسين لما هو خارج عن ذات الشيء. * (وتفاخر بينكم) *: قراءة الجمهور بالتنوين ونصب بينكم، والسلمي بالإضافة. * (وتكاثر) * بالعدد والعدد على عادة الجاهلية، وهذه كلها محقرات، بخلاف أمر الآخرة، فإنها مشتملة على أمور حقيقية عظام. قال الزمخشري: وشبه تعالى حال الدنيا وسرعة تقضيها، مع قلة جدواها، بنبات أنبته الغيث فاستوى واكتهل، وأعجب به الكفار الجاحدون لنعمة الله فيما رزقهم من الغيث والنبات، فبعث عليهم العاهة، فهاج واصفر وصار حطاما، عقوبة لهم على جحودهم، كما فعل بأصحاب الجنة وصاحب الجنتين. انتهى.
وقال ابن عطية: * (كمثل) * في موضع رفع صفة لما تقدم. وصورة هذا المثال أن الإنسان ينشأ في حجر مملكة فما دون ذلك، فيشب ويقوى ويكسب المال والولد ويغشاه الناس، ثم يأخذ بعد ذلك في انحطاط، فينشف ويضعف ويسقم، وتصيبه النوائب في ماله ودينه، ويموت ويضمحل أمره، وتصير أمواله لغيره وتغير رسومه، فأمره مثل مطر أصاب أرضا فنبت عن ذلك الغيث نبات معجب أنيق، ثم هاج، أي يبس واصفر، ثم تحطم، ثم تفرق بالرياح واضمحل. انتهى. قيل: الكفار: الزراع، من كفر الحب، أي ستره في الأرض، وخصوا بالذكر لأنهم أهل البصر بالنبات والفلاحة، فلا يعجبهم إلا المعجب حقيقة. وقيل: من الكفر بالله، لأنهم أشد تعظيما للدنيا وإعجابا بمحاسنها؛ وحطام: بناء مبالغة كعجاب. وقرئ: مصفارا. ولما ذكر ما يؤول إليه أمر الدنيا من الفناء، ذكر ما هو ثابت دائم من أمر الآخرة من العذاب الشديد، ومن رضاه الذي هو سبب النعيم.
قوله عز وجل: * (سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والارض أعدت للذين ءامنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه) *.
ولما ذكر تعالى ما في الآخرة من المغفرة، أمر بالمسابقة إليها، والمعنى: سابقوا إلى سبب مغفرة، وهو الإيمان وعمل الطاعات. وقد مثل بعضهم المسابقة في أنواع؛ فقال عبد الله: كونوا في أول صفة في القتاد. وقال أنس: اشهدوا تكبيرة