تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ٢٢٤
الإحرام مع الإمام. وقال علي: كن أول داخل في المسجد وآخر خارج. واستدل بهذا السبق على أن أول أوقات الصلوات أفضل، وجاء لفظ سابقوا كأنهم في مضمار يجرون إلى غاية مسابقين إليهم. * (عرضها) *: أي مساحتها في السعة، كما قال: فذو دعاء عريض، أو العرض خلاف الطول. فإذا وصف العرض بالبسطة، عرف أن الطول أبسط وأمد. * (أعدت) *: يدل على أنها مخلوقة، وتكرر ذلك في القرآن يقوي ذلك، والسنة ناصة على ذلك، وذلك يرد على المعتزلة في قولهم: إنها الآن غير مخلوقة وستخلق. * (ذالك) *: أي الموعود من المغفرة والجنة، * (فضل الله) *: عطاؤه، * (يؤتيه من يشاء) *: وهم المؤمنون.
* (ما أصاب من مصيبة) *: أي مصيبة، وذكر فعلها، وهو جائز التذكير والتأنيث، ومن التأنيث * (ما تسبق من أمة أجلها) *. ولفظ مصيبة يدل على الشر، لأن عرفها ذلك. قال ابن عباس ما معناه: أنه أراد عرف المصيبة، وهو استعمالها في الشر، وخصصها بالذكر لأنها أهم على البشر. والمصيبة في الأرض مثل القحط والزلزلة وعاهة الزرع، وفي الأنفس: الأسقام والموت. وقيل: المراد بالمصيبة الحوادث كلها من خير وشر، * (إلا فى كتاب) *: هو اللوح المحفوظ، أي مكتوبة فيه، * (من قبل أن نبرأها) *: أي نخلقها. برأ: خلق، والضمير في نبرأها الظاهر أنه يعود على المصيبة، لأنها هي المحدث عنها، وذكر الأرض والأنفس هو على سبيل محل المصيبة. وقيل: يعود على الأرض. وقيل: على الأنفس، قاله ابن عباس وقتادة وجماعة. وذكر المهدوي جواز عود الضمير على جميع ما ذكر. قال ابن عطية: وهي كلها معارف صحاح، لأن الكتاب السابق أزلي قبل هذه كلها. انتهى. * (إن ذالك) *: أي يحصل كل ما ذكر في كتاب وتقديره، * (على الله يسير) *: أي سهل، وإن كان عسيرا على العباد.
ثم بين تعالى الحكمة في إعلامنا بذلك الذي فعله من تقدير ذلك، وسبق قضائه به فقال: * (لكيلا تأسوا) *: أي تحزنوا، * (على ما فاتكم) *، لأن العبد إن أعلم ذلك سلم، وعلم أن ما فاته لم يكن ليصيبه، وما أصابه لم يكن ليخطئه، فلذلك لا يحزن على فائت، لأنه ليس بصدد أن يفوته، فهون عليه أمر حوادث الدنيا بذلك، إذ قد وطن نفسه على هذه العقيدة. ويظهر أن المراد بقوله: * (لكيلا تحزنوا على ما فاتكم) *: أن يلحق الحزن الشديد على ما فات من الخير، فيحدث عنه التسخط وعدم الرضا بالمقدور. * (ولا تفرحوا بما ءاتاكم) *: أن يفرح الفرح المؤدي إلى البطر المنهي عنه في قوله تعالى: * (لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين) *، فإن الحزن قد ينشأ عنه البطر، ولذلك ختم بقوله: * (والله لا يحب كل مختال فخور) *. فالفرح بما ناله من حطام الدنيا يلحقه في نفسه الخيلاء والافتخار والتكبر على الناس، فمثل هذا هو المنهي عنه. وأما الحزن على ما فات من طاعة الله، والفرح بنعم الله والشكر عليها والتواضع، فهو مندوب إليه.
وقال ابن عباس: ليس أحد إلا يحزن ويفرح، ولكن من أصابته مصيبة فجعلها صبرا، ومن أصاب خيرا جعله شكرا. انتهى، يعني هو المحمود. وقال الزمخشري: فإن قلت: فلا أحد يملك نفسه عند مضرة تنزل به، ولا عند منفعة ينالها أن لا يحزن ولا يفرح. قلت: المراد: الحزن المخرج إلى ما يذهل صاحبه عن الصبر، والتسليم لأمر الله تعالى، ورجاء ثواب الصابرين، والفرح المطغي الملهي عن الشكر. فأما الحزن الذي لا يكاد الإنسان يخلو منه مع الاستسلام والسرور بنعمة الله والاعتداد بها مع الشكر، فلا بأس به. انتهى. وقرأ الجمهور: بما آتاكم: أي أعطاكم؛ وعبد الله: أوتيتم، مبنيا للمفعول: أي أعطيتم؛ وأبو عمرو: أتاكم: أي جاءكم.
* (الذين يبخلون) *: أي هم الذين يبخلون، أو يكون الذين مبتدأ محذوف الخبر على جهة الإبهام تقديره: مذمومون، أو موعودون بالعذاب، أو مستغنى عنهم، أو على إضمار، أعني فهو في موضع نصب، أو في موضع نصب صفة لكل مختال، وإن كان نكرة، فهو مخصص نوعا ما، فيسوغ لذلك وصفة بالمعرفة. قال ابن عطية: هذا مذهب الأخفش. انتهى.
عظمت الدنيا في أعينهم، فبخلوا أن يؤدوا منها حقوق الله تعالى، وما كفاهم ذلك حتى أمروا الناس بالبخل ورغبوهم في الإمساك، والظاهر أنهم أمروا الناس حقيقة. وقيل: كانوا قدوة فيه، فكأنهم يأمرون به. * (ومن يتول) * عن ما أمر الله به. وقرأ الجمهور: * (فإن الله هو) *؛ وقرأ نافع وابن عامر: بإسقاط هو، وكذا في
(٢٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 219 220 221 222 223 224 225 226 227 228 229 ... » »»