تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ٢١٢
فاستعار الشجرة لذلك، وهذا قول متكلف.
* (نحن جعلناها تذكرة) *: أي لنار جهنم، * (ومتاعا للمقوين) *: أي النازلين الأرض ألقوا، وهي القفر. وقيل: للمسافرين، وهو قريب مما قبله؛ وقول ابن زيد: الجائعين، ضعيف جدا. وقدم من فوائد النار ما هو أهم وآكد من تذكيرها بنار جهنم، ثم أتبعه بفائدتها في الدنيا. وهذه الأربعة التي ذكرها الله تعالى ووقفهم عليها، من أمر خلقهم وما به قوام عيشهم من المطعوم والمشروب. والنار من أعظم الدلائل على البعث، وفيها انتقال من شيء إلى شيء، وإحداث شيء من شيء، ولذلك أمر في آخرها بتنزيهه تعالى عما يقول الكافرون. ووصف تعالى نفسه بالعظيم، إذ من هذه أفعاله تدل على عظمته وكبريائه وانفراده بالخلق والإنشاء.
قوله عز وجل: * (فلا أقسم بمواقع النجوم * وإنه لقسم لو تعلمون عظيم * إنه لقرءان كريم * فى كتاب مكنون * لا يمسه إلا المطهرون * تنزيل من رب العالمين * أفبهاذا الحديث أنتم مدهنون * وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون * فلولا إذا بلغت الحلقوم * وأنتم حينئذ تنظرون * ونحن أقرب إليه منكم ولاكن لا تبصرون * فلولا إن كنتم غير مدينين * ترجعونها إن كنتم صادقين * فأما إن كان من المقربين * فروح وريحان * وجنة * نعيم * وأما إن كان من أصحاب اليمين * فسلام لك من أصحاب اليمين * وأما إن كان من المكذبين الضالين * فنزل من حميم * وتصلية جحيم * إن هاذا لهو حق اليقين * فسبح باسم ربك العظيم) *.
قرأ الجمهور: * (فلا أقسم) *، فقيل: لا زائدة مؤكدة مثلها في قوله: * (لئلا يعلم أهل الكتاب) *، والمعنى: فاقسم. وقيل: المنفي المحذوف، أي فلا صحة لما يقول الكفار. ثم ابتدأ أقسم، قاله سعيد بن جبير وبعض النحاة؛ ولا يجوز، لأن في ذلك حذف اسم لا وخبرها، وليس جوابا لسائل سأل، فيحتمل ذلك، نحو قوله * (لا) * لمن قال: هل من رجل في الدار؟ وقيل: توكيد مبالغة ما، وهي كاستفتاح كلام شبهه في القسم، إلا في شائع الكلام القسم وغيره، ومنه.
فلا وأبي أعدائها لا أخونها والأولى عندي أنها لام أشبعت فتحتها، فتولدت منها ألف، كقوله:
أعوذ بالله من العقراب وهذا وإن كان قليلا، فقد جاء نظيره في قوله: * (فاجعل أفئدة من الناس) * بياء بعد الهمزة، وذلك في قراءة هشام، فالمعنى: فلأقسم، كقراءة الحسن وعيسى، وخرج قراءة الحسن أبو الفتح على تقدير مبتدأ محذوف، أي فلأنا أقسم، وتبعه على ذلك الزمخشري. وإنما ذهبا إلى ذلك لأنه فعل حال، وفي القسم عليه خلاف. فالذي اختاره ابن عصفور وغيره أن فعل الحال لا يجوز أن يقسم عليه، فاحتاجوا إلى أن يصوروا المضارع خبرا لمبتدأ محذوف، فتصير الجملة اسمية، فيقسم عليها. وذهب بعض النحويين إلى أن جواز القسم على فعل الحال، وهذا الذي اختاره فتقول: والله ليخرج زيد، وعليه قول الشاعر:
(٢١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 217 ... » »»