تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٤٧٠
كما يوصف الله تعالى بالعلم، ويوصف الإنسان بالعلم.
ثم ذكر تعالى ما أصاب به عادا فقال: * (فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا) * في الحديث: (أنه تعالى أمر خزنة الريح ففتحوا عليهم قدر حلقة الخاتم، ولو فتحوا قدر منخر الثور لهلكت الدنيا). وروي أنها كانت تحمل العير بأوقادها، فترميهم في البحر. والصرصر، قال مجاهد: شديدة السموم. وقال ابن عباس، والضحاك، وقتادة، والسدي: من الصر، أي باردة. وقال السدي أيضا، وأبو عبيدة، وابن قتيبة، والطبري، وجماعة: من صرصر إذا صوت. وقال ابن الكسيت: صرصر، يجوز أن يكون من الصرة، وهي الصيحة، ومنه: * (فأقبلت امرأته فى صرة) *. وصرصر: نهر بالعراق. وقرأ الحرميان، وأبو عمرو، والنخعي، وعيسى، والأعرج نحسات، بسكون الحاء، فاحتمل أن يكون مصدرا وصف به وتارة يضاف إليه، واحتمل أن يكون مخففا من فعل. وقال الطبري: نحس ونحس: مقت. وقال الزمخشري: مخفف نحس، أو صفة على فعل، أو وصف بمصدر. انتهى. وتتبعت ما ذكره التصريفيون مما جاء صفة من فعل اللازم فلم يذكروا فيه فعلا بسكون العين، قالوا: يأتي على فعل كفرح وهو فرح، وعلى أفعل حور فهو أحور، وعلى فعلان شبع فهو شبعان، وقد يجيء على فاعل سلم فهو سالم، وبلى فهو بال. وقرأ قتادة، وأبو رجاء، والجحدري، وشيبة، وأبو جعفر، والأعمش، وباقي السبعة: بكسر الحاء وهو القياس، وفعله نحس على فعل بكسر العين، ونحسات صفة لأيام جمع بألف وتاء، لأنه جمع صفة لما لا يعقل. قال مجاهد، وقتادة، والسدي: مشائيم من النحس المعروف. وقال الضحاك: شديدة البرد، وحتى كان البرد عذابا لهم. وأنشد الأصمعي في النحس بمعنى البرد:
* كأن سلافة عرضت بنحس * يخيل شقيقها الماء الزلالا * وقيل: سميت بذلك لأنها ذات غبار، ومنه قول الراجز:
* قد اغتدي قبل طلوع الشمس * للصيد في يوم قليل النحس * يريد: قليل الغبار. وقال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة: متتابعات كانت آخر شوال من أربعاء إلى أربعاء. وقال السدي: أولها غداة يوم الأحد. وقال الربيع بن أنس: يوم الجمعة. وقال يحيى بن سلام: يوم الأحد. * (لنذيقهم عذاب الخزى فى الحيواة الدنيا) *: وهو الهلاك. وقرئ: لتذيقهم بالتاء. وقال الزمخشري: على الإذاقة للريح، أو للأيام النحسات. وأضاف العذاب إلى الخزي إضافة الموصوف إلى صفته لم يأت بلفظة أخرى التي تقتضي المشاركة والتفصيل خبرا عن قوله: * (ولعذاب الاخرة) *، وهو إسناد مجازي، أو وصف العذاب بالخزي أبلغ من وصفهم به. ألا ترى تفاوت ما بين قولك: هو شاعر، وقوله: له شعر شاعر؟ وقابل استكبارهم بعذاب الخزي، وهو الذل والهوان. وبدأ بقصة عاد، لأنها أقدم زمانا، ثم ذكر ثمود فقال: * (وأما ثمود) *. وقرأ الجمهور: بالرفع ممنوع من الصرف؛ وابن وثاب، والأعمش، وبكر بن حبيب: مصروفا، وهي قراءة ابن وثاب، والأعمش في ثمود بالتنوين في جميع القرآن إلا قوله: * (وما منعنا أن) *، لأنه في المصحف بغير ألف. وقرئ: ثمود بالنصب ممنوعا من الصرف، والحسن، وابن أبي إسحاق، والأعمش: ثمودا منونة منصوبة. وروى المفضل عن عاصم الوجهين. انتهى. * (فهديناهم) *، قال ابن عباس، وقتادة، والسدي، وابن زيد: بينا لهم. قال ابن عطية: وليس الهدى هنا بمعنى الإرشاد. وقال الفراء، وتبعه الزمخشري: فهديناهم: فذللناهم على طريق الضلالة والرشد، كقوله تعالى: * (وهديناه النجدين) *.
* (فاستحبوا العمى على
(٤٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 465 466 467 468 469 470 471 472 473 474 475 ... » »»