تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٤٠١
المعصومين لقوله: * (عينا يشرب بها عباد الله) *، تعالى الله عما يقول الظالمون. انتهى. فسمى عبد الله بن عباس ترجمان القرآن وأعلام أهل السنة بعض الغواة، وأطلق عليهم اسم الظالمين، وذلك من سفهه وجرأته، كما قلت في قصيدتي التي ذكرت فيها ما ينقد عليه:
* ويشتم أعلام الأئمة ضلة * ولا سيما إن أو لجوه المضايقا * * (وإن تشكروا يرضه لكم) *، قال ابن عباس: يضاعف لكم، وكأنه يريد ثواب الشكر؛ وقيل: يقبله منكم. قال صاحب التحرير: قوة الكلام تدل على أن معنى تشكروا: تؤمنوا حتى يصير بإزاء الكفر، والله تعالى قد سمى الأعمال الصالحة والطاعات شكرا في قوله: * (اعملوا ءال * داوود * شاكرا) *. انتهى. وتقدم الكلام على هذه الآية في سبأ. وقرأ النحويان، وابن كثير: يرضه بوصل ضمة الهاء بواو؛ وابن عامر وحفص: بضمة فقط؛ وأبو بكر: بسكون الهاء، قال أبو حاتم: وهو غلط لا يجوز. انتهى. وليس بغلط، بل ذلك لغة لبني كلاب وبني عقيل. وقوله: * (ولا تزر) * إلى: * (بذات الصدور) *، تقدم الكلام عليه.
* (وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسى ما كان يدعو إليه من قبل وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار * أمن هو قانت ءاناء اليل ساجدا وقائما يحذر الاخرة ويرجوا * رحمته * ربه قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الالباب * قل ياأهل * عباد * الذين ءامنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا فى هاذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) *.
الظاهر أن الإنسان هنا جنس الكافر، وقيل: معين، كعتبة بن ربيعة. ويدخل في الضر جميع المكاره في جسم أو أهل أو مال. * (دعا ربه) *: استجار ربه وناداه، ولم يؤمل في كشف الضر سواه، * (منيبا إليه) *: أي راجعا إليه وحده في إزالة ذلك. * (ثم إذا خوله) *: أناله وأعطاه بعد كشف ذلك الضر عنه. وحقيقة خوله أن يكون من قولهم: هو خائله، قال: إذا كان متعهدا حسن القيام عليه، أو من خال يخول، إذا إختال وافتخر، وتقول العرب:
إن الغني طويل الذيل مياس * (نسى ما كان يدعو) *: أي ترك، والظاهر أن ما بمعنى الذي، أي نسي الضر الذي كان يدعو الله إلى كشفه. وقيل: ما بمعنى من، أي نسي ربه الذي كان يتضرع إليه ويبتهل في كشف ضره. وقيل: ما مصدرية، أي نسي كونه يدعو. وقيل: تم الكلام عند قوله: * (نسى) *، أي نسي ما كان فيه من الضر. وما نافية، نفى أن يكون دعاء هذا الكافر خالصا لله مقصورا من قبل الضرر، وعلى الأقوال السابقة. * (من قبل) *: أي من قبل تخويل النعمة، وهو زمان الضرر. * (وجعل لله أندادا) *: أي أمثالا يضاد بعضها بعضا ويعارض. قال قتادة: أي من الرجال يطيعونهم في المعصية. وقال غيره: أوثانا، وهذا من سخف عقولهم. حين مسى الضر دعوا الله ولم يلتجئوا في كشفه إلا إليه؛ وحين كشف ذلك وخول النعمة أشركوا به، فاللام لام العلة، وقيل: لام العاقبة. وقرأ الجمهور: * (ليضل) *، بضم الياء: أي ما اكتفى بضلال نفسه حتى جعل غيره يضل. وقرأ ابن كثير، وأبو عمر، وعيسى: بفتحها، ثم أتى بصيغة الأمر فقال: * (تمتع بكفرك
(٤٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 396 397 398 399 400 401 402 403 404 405 406 ... » »»