تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٤١٢
بكر. وقال أبو الأسود، ومجاهد، وجماعة: الذي صدق به وهو علي بن أبي طالب. وقال الزمخشري: والذي جاء بالصدق وصدق به هو رسول الله صلى الله عليه وسلم). جاء بالصدق وآمن به، وأراد به إياه ومن تبعه، كما أراد بموسى إياه وقومه في قوله: * (ولقد ءاتينا موسى الكتاب لعلهم يهتدون) *، ولذلك قال: * (أولئك هم المتقون) *، إلا أن هذا في الصفة، وذلك في الاسم. ويجوز أن يريد: والفوج والفريق الذي جاء بالصدق وصدق به، وهو الرسول الذي جاء بالصدق، وصحابته الذين صدقوا به. انتهى. وقوله: وأراد به إياه ومن تبعه، كما أراد بموسى إياه وقومه. استعمل الضمير المنفصل في غير موضعه، وإنما هو متصل، فإصلاحه وأراده به ومن تبعه، كما أراده بموسى وقومه: أي لعل قومه يهتدون، إذ موسى عليه السلام مهتد. فالمترجى هداية قومه، لا هدايته، إذ لا يترجى إلا ما كان مفقودا لا موجودا. وقوله: ويجوز إلخ، فيه توزيع الصلة، والفوج هو الموصول، فهو كقوله: جاء الفريق الذي شرف وشرف. والأظهر عدم التوزيع، بل المعطوف على الصلة، صلة لمن له الصلة الأولى.
وقرأ الجمهور: * (وصدق) * مشددا؛ وأبو صالح، وعكرمة بن سليمان، ومحمد بن جحازة: مخففا. قال أبو صالح: وعمل به. وقيل: استحق به اسم الصدق. قال ابن عطية: فعلى هذا إسناد الأفعال كلها إلى محمد صلى الله عليه وسلم)، وكأن أمته في ضمن القول، وهو الذي يحسن * (أولائك * المتقون) *. انتهى. وقال الزمخشري: أي صدق به الناس، ولم يكذبهم به، يعني: أداه إليهم، كما نزل عليه من غير تحريف. وقيل: معناه: وصار صادقا به، أي بسببه، لأن القرآن معجزة، والمعجزة تصديق من الحكيم الذي لا يفعل القبيح لمن يجريها على يديه، ولا يجوز أن يصدق إلا الصادق، فيصير لذلك صادقا بالمعجزة. وقرئ: وصدق به. انتهى، يعني: مبنيا للمفعول مشددا. وقال صاحب اللوامح: جاء بالصدق من عند الله وصدق بقوله، أي في قوله، أو في مجيئه، فاجتمع له الصفتان من الصدق: من صدقه من عند الله، وصدقه بنفسه، وذلك مبالغة في المدح. انتهى.
* (لهم ما يشاءون) *: عام في كل ما تشتهيه أنفسهم وتتعلق به إرادتهم. و * (ليكفر) *: متعلق بالمحسنين، أي الذين أحسنوا ليكفر، أو بمحذوف، أي يسر ذلك لهم ليكفر، لأن التكفير لا يكون إلا بعد التيسير للخير. و * (أسوأ الذى عملوا) *: هو كفر أهل الجاهلية ومعاصي أهل الإسلام. والتكفير يدل على سقوط العقاب عنهم على أكمل الوجوه، والجزاء بالأحسن يدل على حصول الثواب على أكمل الوجوه، فقيل: ذلك يكون إذا صدقوا الأنبياء فيما أتوا به. وقال مقاتل: يجزيهم بالمحاسن من أعمالهم، ولا يجزيهم بالمساوي، وهذا قول المرجئة، يقولون: لا يضر شيء من المعاصي مع الإيمان. واحتج بهذه الآية، وقام الظاهر مقام المضمر في المحسنين، أي ذلك جزاؤهم، فنبه بالظاهر على العلة المقتضية لحصول الثواب. والظاهر أن أسوأ أفعل تفضيل، وبه قرأ الجمهور: وإذا كفر أسوأ أعمالهم، فتكفير ما هو دونه أحرى. وقيل: أفعل ليس للتفضيل، وهو كقولك: الأشج أعدل بني مروان، أي عادل، فكذلك هذا، أي سئ الذين عملوا. ويدل على هذا التأويل قراءة ابن مقسم، وحامد بن يحيى، عن ابن كثير: أسوأ هنا؛ وفي حم السجدة بألف بين الواو والهمزة جمع سوء، ولا تفضيل فيه. والظاهر أن بأحسن أفعل تفضيل فقيل: لينظر إلى أحسن طاعاته فيجزي الباقي في الجزاء على قياسه، وإن تخلف عنه بالتقصير. وقيل: بأحسن ثواب أعمالهم. وقيل: بأحسن من عملهم، وهو الجنة، وهذا ينبو عنه * (بأحسن الذى) *. وقال الزمخشري: أما التفضيل فيؤذن بأن الشيء الذي يفرط منهم من الصغائر والزلات المكفرات هو عندهم الأسوأ لاستعظامهم المعصية، والحسن الذي يعملون هو عند الله الأحسن لحسن إخلاصهم فيه، فلذلك ذكر سيئهم بالأسوأ، وحسنهم بالأحسن. انتهى، وهو على رأى المعتزلة، ويكون قد استعمل أسوأ في التفضيل على معتقدهم، وأحسن في التفضيل على ما هو عند الله، وذلك توزيع في أفعل التفضيل، وهو خلاف الظاهر.
قالت قريش: لئن لم ينته
(٤١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 407 408 409 410 411 412 413 414 415 416 417 ... » »»