في رأوا عائد على المدعوين، قال: وهم الأصنام. والظاهر أنه عائد على الداعين، كقوله: * (إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب) *، ولأن حمل مهتدين على الأحياء في غاية البعد، لأن ما قدره هو جواب، ولا يشعر به أنه جواب، إذ صار التقدير عنده: لو كانوا من الأحياء رأوا العذاب، لكنها ليست من الأحياء، فلا ترى العذاب. ألا ترى إلى قوله: فلا جرم ما رأت العذاب؟
* (ويوم يناديهم) *: هذا النداء أيضا قد يكون بواسطة من الملائكة، أو بغير واسطة. حكى أولا ما يوبخهم من اتخاذهم له شركاء، ثم ما يقوله رؤوس الكفر عند توبيخهم، ثم استعانتهم بشركائهم وخذلانهم لهم وعجزهم عن نصرتهم، ثم ما يبكتون به من الاحتجاج عليهم بإرسال الرسل وإزالة العلل. وقرأ الجمهور: * (فعميت) * بفتح العين وتخفيف الميم. وقرأ الأعمش، وجناح بن حبيش، وأبو زرعة بن عمرو بن جرير: بضم العين وتشديد الميم، والمعنى: أظلمت عليهم الأمور، فلم يستطيعوا أن يخبروا بما فيه نجاة لهم، وأتى بلفظ الماضي لتحقق وقوعه. * (فهم لا يتساءلون) *، وقرأ طلحة: يساءلون، بإدغام التاء في السين: أي لا يسأل بعضهم بعضا فيما يتحاجون به، إذا أيقنوا أنه لا حجة لهم، فهم في عمى وعجز عن الجواب. والمراد بالنبأ: الخبر عما أجاب به المرسل إليه رسوله. ولما ذكر تعالى أحوال الكفار يوم القيامة، وما يكون منهم فيه، أخبر بأن من تاب من الشرك وآمن وعمل صالحا، فإنه مرجو له الفلاح والفوز في الآخرة، وهذا ترغيب للكافر في الإسلام، وضمان له للفلاح. ويقال: إن عسى من الله واجبة.
* (وربك يخلق ما يشاء ويختار) *: نزلت بسبب ما تكلمت به قريش من استغراب أمر النبي صلى الله عليه وسلم)، وقول بعضهم: * (لولا نزل هاذا القرءان على رجل من القريتين عظيم) *، وقائل ذلك الوليد بن المغيرة. قال القرطبي: هذا متصل بذكر الشركاء الذين دعوهم واختاروهم للشفاعة، أي الاختيار إلى الله تعالى في الشفعاء، لا إلى المشركين. وقيل: هو جواب لليهود، إذ قالوا: لو كان الرسول إلى محمد غير جبريل، لأمنا به، ونص الزجاج، وعلي بن سليمان، والنحاس: على أن الوقف على قوله: * (ويختار) * تام، والظاهر أن ما نافية، أي ليس لهم الخيرة، إنما هي لله تعالى، كقوله: * (ما كان لهم الخيرة) * من أمرهم. وذهب الطبري إلى أن ما موصولة منصوبة بيختار، أي ويختار من الرسل والشرائع ما كان خيرة للناس، كما لا يختارون هم ما ليس إليهم، ويفعلون ما لم يؤمروا به. وأنكر أن تكون ما نافية، لئلا يكون المعنى: إنه لم تكن لهم الخير فيما مضى، وهي لهم فيما يستقبل، ولأنه لم يتقدم كلام ينفي. وروي عن ابن عباس معنى ما ذهب إليه الطبري، وقد رد هذا القول تقدم العائد على الموصول، وأجيب بأن التقدير: ما كان لهم فيه الخيرة، وحذف لدلالة المعنى. قال الزمخشري: كما حذف من قوله: * (إن ذلك لمن عزم الامور) *، يعني: أن التقدير أن ذلك فيه لمن عزم الأمور. وأشد القاسم ابن معن بيت عنترة:
* أمن سمية دمع العين تذريف * لو كان ذا منك قبل اليوم معروف * وقرن الآية بهذا البيت. والرواية في البيت: لو أن ذا، ولكن على ما رواه القاسم يتجه في بيت عنترة أن يكون في كان ضمير الشأن. فأما في الآية، فقال ابن عطية: تفسير الأمر والشأن لا يكون بجملة فيها محذوف. قال ابن عطية: ويتجه عندي أن تكون ما مفعولة، إذا قدرنا كان تامة، أي أن الله تعالى يختار كل كائن، ولا يكون شيء إلا بإذنه. وقوله: * (لهم الخيرة) *: جملة مستأنفة معناها: تعديد النعمة عليهم في اختيار الله لهم، لو قبلوا وفهموا. انتهى. يعني: والله أعلم خيرة الله لهم، أي لمصلحتهم. والخيرة من التخير، كالطيرة من التطير، يستعملان بمعنى المصدر؛ والجمل التي بعد هذا تقدم الكلام عليها. والحمد في الآخرة قولهم: * (الحمد لله الذى أذهب عنا الحزن) *، * (الحمد لله الذى صدقنا وعده) *