ويحتاج ذلك إلى نقله من كلام العرب متعديا. قال الأزهري: تفيؤ الظلال رجوعها بعد انتصاف النهار، فالتفيؤ لا يكون إلا بالعشي وما انصرفت عنه الشمس، والظل ما يكون بالغداة وهو ما لم تنله.
وقال الشاعر:
* فلا الظل من برد الضحى تستطيعه * ولا الفيء من برد العشي تذوق * وقال امرؤ القيس:
* تيممت العين التي عند ضارج * يفيء عليها الظل عرمضها طام * وعن رؤبة ما كانت عليه الشمس فزالت عنه فهو فيء وظل ما لم تكن عليه فهو ظل، وذلك أن الشمس من طلوعها إلى وقت الزوال تنسخ الظل، فإذا زالت رجع، ولا يزال ينمو إلى أن تغيب. والمشهور أن الفيء لا يكون إلا بعد الزوال، والاعتبار في هذه الآية من أول النهار إلى آخره. فمعنى تتفيؤ تتنقل وتميل، وأضاف الظلال وهي جمع إلى ضمير مفرد، لأنه ضمير ما، وهو جمع من حيث المعنى لقوله: * (لتستووا على ظهوره) * وقال صاحب اللوامح: في قراءة عيسى ظلله، وظله الغيم وهو جسم، وبالكسر الفيء وهو عرض في العامة: فرأى عيسى أن التفيؤ الذي هو الرجوع بالأجسام أولى، وأما في العامة فعلى الاستعارة انتهى.
قالوا في قوله: عن اليمين والشمائل، بحثان. أحدهما: ما المراد بذلك. والثاني: ما الحكمة في إفراد اليمين وجمع الشمائل؟ أما الأول فقالوا: يمين الفلك وهو المشرق. وشماله هو المغرب. وخص هذان الاسمان بهذين الجانبين لأن أقوى جانبي الإنسان يمينه، ومنه تظهر الحركة الفلكية اليومية آخذة من المشرق إلى المغرب، لا جرم كان المشرق يمين الفلك والمغرب شماله، فعلى هذا تقول الشمس عند طلوعها إلى وقت انتهائها إلى وسط الفلك يقع الظلال إلى الجانب الغربي، فإن انحدرت من وسط الفلك عن الجانب الغربي وقعت الظلال في الجانب الشرقي، فهذا المراد من تفيؤ الظلال من اليمين إلى الشمال. وقيل: البلدة التي عرضها أقل من مقدار الميل تكون الشمس في الصيف عن يمين البلدة فتقع الظلال على يمينهم. وقال الزمخشري: المعنى أو لم يروا إلى ما خلق الله من الأجرام التي لها ضلال متفيئة عن أيمانها وشمائلها عن جانبي كل واحد منها وشقيه، استعارة من يمين الإنسان وشماله بجانبي الشيء أي: ترجع الظلال من جانب إلى جانب انتهى. وقال ابن عطية: والمقصود العبرة في هذه الآية، هو كل جرم له ظل كالجبال والشجر وغير ذلك، والذي يترتب فيه أيمان وشمائل إنما هو البشر فقط، لكن ذكر الأيمان والشمائل هنا على حسب الاستعارة لغير اللبس تقدره: ذا يمين وشمال، وتقدره: بمستقبل أي جهة شئت، ثم تنظر ظله فتراه يميل إما إلى جهة اليمين وإما إلى جهة الشمال، وذلك في كل أقطار الدنيا، فهذا يعم ألفاظ الآية. وفيه تجوز واتساع. ومن ذهب إلى أن اليمين من غدوة الزوال، ويكون من الزوال إلى المغيب عن الشمال، وهو قول قتادة وابن جريج، فإنما يترتب فيما قدره مستقبل الجنوب انتهى. وأما الثاني فقال الزمخشري: واليمين بمعنى الأيمان، فجعله وهو مفرد بمعنى الجمع، فطابق الشمائل من حيث المعنى كما قال: * (ويولون الدبر) * يريد الإدبار. وقال الفراء: كأنه إذا وجد ذهب إلى واحد من ذوات الظلال، وإذا جمع ذهب إلى كلها لأن قوله ما خلق الله من شيء، لفظ واحد ومعناه الجمع، فعبر عن أحدهما بلفظ الواحد لقوله: * (وجعل الظلمات والنور) * وقوله: * (ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم) * وقيل: إذا فسرنا اليمين بالمشرق، كانت النقطة التي هي مشرق الشمس واحدة بعينها، فكانت اليمين واحدة. وأما الشمائل فهي عبارة عن الانحرافات الواقعة في تلك الظلال بعد وقوعها على الأرض، وهي كثيرة، فلذلك عبر عنها