تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٣١٠
لغتان بمعنى واحد. وقرئ في السبعة: نسقيكم ونسقيكم. وقال صاحب اللوامح: سقى وأسقى بمعنى واحد في اللغة، والمعروف أن سقاه ناوله ليشرب، وأسقاه جعل له سقيا. ونسب ضم الفاء لعكرمة والجحدري، ومعنى ربه. سيده. وقال ابن عطية: وقرأ عكرمة والجحدري: فيسقي ربه خمرا بضم الياء وفتح القاف، أي ما يرويه. وقال الزمخشري: وقرأ عكرمة فيسقى ربه، فيسقى ما يروى به على البناء للمفعول، ثم أخبرهما يوسف عليه السلام عن غيب علمه من قبل الله أن الأمر قد قضى ووافق القدر، وسواء كان ذلك منكما حلم، أو تحالم. وأفرد الأمر وإن كان أمر هذا، لأن المقصود إنما هو عاقبة أمرهما الذي أدخلا به السجن، هو اتهام الملك إياهما بسمه، فرأيا ما رأيا، أو تحالما بذلك، فقضيت وأمضيت تلك العاقبة من نجاة أحدهما، وهلاك الآخر. وقال أي: يوسف للذي ظن: أي أيقن هو أي يوسف: إنه ناج وهو الساقي. ويحتمل أن يكون ظن على بابه، والضمير عائد على الذي وهو الساقي أي: لما أخبره يوسف بما أخبره، ترجح عنده أنه ينجو، ويبعد أن يكون الظن على بابه، ويكون مسندا إلى يوسف على ما ذهب إليه قتادة والزمخشري. قال قتادة: الظن هنا على بابه، لأن عبارة الرؤيا ظن. وقال الزمخشري: الظان هو يوسف عليه السلام إن كان تأويله بطريق الاجتهاد فيبعد، لأنه قوله: قضي الأمر، فيه تحتم ما جرى به القدر وإمضاؤه، فيظهر أن ذلك بطريق الوحي، إلا أن حمل قضي الأمر على قضى كلامي، وقلت ما عندي، فيجوز أن يعود على يوسف. فالمعنى أن يوسف عليه السلام قال لساقي الملك حين علم أنه سيعود إلى حالته الأولى مع الملك: اذكرني عند الملك أي: بعلمي ومكانتي وما أنا عليه مما آتاني الله، أو اذكرني بمظلمتي وما امتحنت به بغير حق. وهذا من يوسف على سبيل الاستعانة والتعاون في تفريج كربه، وجعله بإذن الله وتقديره سببا للخلاص كما جاء عن عيسى عليه السلام: * (من أنصارى إلى الله) * وكما كان الرسول يطلب من يحرسه. والذي أختاره أن يوسف إنما قال لساقي الملك: اذكرني عند ربك ليتوصل إلى هدايته وإيمانه بالله، كما توصل إلى إيضاح الحق للساقي ورفيقه. والضمير في فأنساه عائد على الساقي ، ومعنى ذكر ربه: ذكر يوسف لربه، والإضافة تكون بأدنى ملابسة. وإنساء الشيطان له بما يوسوس إليه من اشتغاله حتى يذهل عما قال له يوسف، لما أراد الله بيوسف من إجزال أجره بطول مقامه في السجن. ويضع سنين مجمل، فقيل: سبع، وقيل: اثنا عشر. والظاهر أن قوله: فلبث في السجن، إخبار عن مدة مقامه في السجن، منذ سجن إلى أن أخرج. وقيل: هذا اللبث هو ما بعد خروج الفتيين وذلك سبع. وقيل: سنتان. وقيل: الضمير في أنساه عائد على يوسف. ورتبوا على ذلك أخبارا لا تليق نسبتها إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
* (وقال الملك إنى أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات يأيها * أيها * الملا أفتونى فى رؤياى إن كنتم للرؤيا تعبرون * قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الاحلام بعالمين) *: لما دنا فرج يوسف عليه السلام رأى ملك مصر الريان بن الوليد رؤيا عجيبة هالته، فرأى سبع بقرات سمان خرجن من نهر يابس، وسبع بقرات عجاف، فابتلعت العجاف السمان. ورأى سبع سنبلات خضر قد انعقد حبها، وسبعا أخر يابسات قد استحصدت وأدركت، فالتوت اليابسات على الخضر حتى غلبن عليها، فلم يجد في قومه من يحسن عبارتها. أرى: يعني في منامه، ودل على ذلك: أفتوني في رؤياي. وأرى حكاية حال، فلذلك جاء بالمضارع دون رأيت. وسمان صفة لقوله: بقرات، ميز العدد بنوع من البقرات وهي السمان منهن لا يحسنهن. ولو نصب صفة لسبع لكان التمييز بالجنس لا بالنوع، ويلزم من وصف البقرات بالسمن وصف السبع به، ولا يلزم من وصف السبع به وصف الجنس به، لأنه يصير المعنى سبعا من البقرات سمانا. وفرق بين قولك: عندي ثلاث رجال كرام، وثلاث رجال كرام، لأن المعنى في الأول ثلاثة من الرجال الكرام، فيلزم كرم الثلاثة لأنهم بعض من الرجال الكرام. والمعنى في الثاني: ثلاثة من الرجال كرام، فلا يدل على وصف الرجال بالكرم. ولم يضف سبع إلى عجاف لأن اسم العدد لا
(٣١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 305 306 307 308 309 310 311 312 313 314 315 ... » »»