نهي، ويحتمل أن يكون معطوفا على أقم، فيكون في حيز أن على قسميها من كونها مصدرية، وكونها حرف تفسير. وإذا كان دعاء الأصنام منهيا عنه فأحرى أن ينهي عن عبادتها، فإن فعلت كنى بالفعل عن الدعاء إيجازا أي: فإن دعوت ما لا ينفعك ولا يضرك. وجواب الشرط فإنك وخبرها، وتوسطت إذا بين اسم إن والخبر، ورتبتها بعد الخبر، لكن روعي في ذلك الفاصلة. قال الحوفي: الفاء جواب الشرط، وإذا متوسطة لا عمل لها يراد بها في هذا إذا كان ذلك هذا تفسير، المعنى لا يجيء على معنى الجواب انتهى. وقال الزمخشري: إذا جواب الشرط، وجواب لجواب مقدر كان سائلا سأل عن تبعة عبادة الأوثان، وجعل من الظالمين لأنه لا ظلم أعظم من الشرك، * (إن الشرك لظلم عظيم) * انتهى. وكلامه في إذا يحتاج إلى تأمل، وقد تقدم لنا الكلام فيها مشبعا في سورة البقرة. ولما وقع النهي عن دعاء الأصنام وهي لا تضر ولا تنفع، ذكر أن الحول والقوة والنفع والضر ليس ذلك إلا لله، وأنه تعالى هو المنفرد بذلك، وأتى في الضر بلفظ المس، وفي الخير بلفظ الإرادة، وطابق بين الضر والخير مطابقة معنوية لا لفظية، لأن مقابل الضر النفع ومقابل الخير الشر، فجاءت لفظة الضر ألطف وأخص من لفظة الشر، وجاءت لفظة الخير أتم من لفظة النفع، ولفظة المس أوجز من لفظ الإرادة وأنص على الإصابة وأنسب لقوله: فلا كاشف له إلا هو، ولفظ الإرادة أدل على الحصول في وقت الخطاب وفي غيره وأنسب للفظ الخير، وإن كان المس والإرادة معناهما الإصابة. وجاء جواب: وإن يمسسك بنفي عام وإيجاب، وجاء جواب: وإن يردك بنفي عام، لأن ما أراده لا يرده راد لا هو ولا غيره، لأن إرادته قديمة لا تتغير، فلذلك لم يجيء التركيب فلا راد له إلا هو. والمس من حيث هو فعل صفة فعل يوقعه ويرفعه بخلاف الإرادة، فإنها صفة ذات، وجاء فلا راد لفضله سمى الخير فضلا إشعارا بأن الخيور من الله تعالى، هي صادرة على سبيل الفضل والإحسان والتفضل. ثم اتسع في الإخبار عن الفضل والخير فقال: يصيب به من يشاء من عباده، ثم أخبر بالصفتين الدالتين على عدم المؤاخذة وهما: الغفور الذي يستر ويصفح عن الذنوب، والرحيم الذي رحمته سبقت غضبه. ولما تقدم قوله: ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك، فأخر الضر، ناسب أن تكون البداءة بجملة الشرط المتعلقة بالضر. وأيضا فإنه لما كان الكفار يتوقع منهم الضر للمؤمنين والنفع لا يرجى منهم، كان تقديم جملة الضر آكد في الإخبار فبدىء بها. وقال الزمخشري: (فإن قلت): لم ذكر المس في أحدهما، والإرادة في الثاني؟ (قلت): كأنه أراد أن يذكر الأمرين جميعا: الإرادة، والإصابة في كل واحد من الضر والخير، وأنه لا راد لما يريد منهما، ولا مزيل لما يصيب به منهما، فأوجز الكلام بأن ذكر المس وهو الإصابة في أحدهما، والإرادة في الإنجاز، ليدل بما ذكر على ما ترك على أنه قد كرر الإصابة في الخير في قوله: يصيب به من يشاء من عباده، والمراد بالمشيئة المصلحة.
* (قل ياأهل * أيها الناس * قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدى * لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل * واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين) * الحق: القرآن، أو الرسول، أو دين الإسلام، ثلاثة أقوال والمعنى: فإنما ثواب هدايته حاصل له، ووبال ضلاله عليه، والهداية والضلال واقعان بإرادة الله تعالى من العبد، هذا مذهب أهل السنة. وأن من حكم له في الأزل بالاهتداء فسيقع ذلك، وإن من حكم له بالضلال فكذلك ولا حيلة في ذلك. وقال القاضي: إنه تعالى بين أنه أكمل الشريعة وأزاح العلة وقطع المعذرة فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم