تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ١٩٢
* (فلولا كانت قرية ءامنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما ءامنوا كشفنا عنهم عذاب الخزى فى الحيواة الدنيا ومتعناهم) *: لولا هنا هي التحضيضية التي صحبها التوبيخ، وكثيرا ما جاءت في القرآن للتحضيض، فهي بمعنى هلا. وقرأ أبي وعبد الله فهلا، وكذا هو في مصحفيها، والتحضيض أن يريد الإنسان فعل الشيء الذي يحض عليه، وإذا كانت للتوبيخ فلا يريد المتكلم الحض على ذلك الشيء، كقول الشاعر:
* تعدون عقر النيب أفضل مجدكم * بني ضوطري لولا الكمي المقنعا * لم يقصد حضهم على عقر الكمي المقنع، وهنا وبخهم على ترك الإيمان النافع. والمعنى: فهلا آمن أهل القرية وهم على مهل لم يلتبس العذاب بهم، فيكون الإيمان نافعا لهم في هذه الحال. وقوم منصوب على الاستثناء المنقطع، وهو قول سيبويه والكسائي والفراء والأخفش، إذ ليسوا مندرجين تحت لفظ قرية. وقال الزمخشري: ويجوز أن يكون متصلا، والجملة في معنى النفي كأنه قيل: ما آمنت قرية من القرى الهالكة إلا قوم يونس. وقال ابن عطية: هو بحسب اللفظ استثناء منقطع، وكذلك رسمه النحويون، وهو بحسب المعنى متصل، لأن تقديره ما آمن أهل قرية إلا قوم يونس، والنصب هو الوجه، ولذلك أدخله سيبويه في باب ما لا يكون فيه إلا النصب، وذلك مع انقطاع الاستثناء. وقالت فرقة: يجوز فيه الرفع، وهذا مع اتصال الاستثناء. وقال المهدوي: والرفع على البدل من قرية، وقال الزمخشري: وقرئ بالرفع على البدل عن الحرمي والكسائي، وتقدم الخلاف في قراءة يونس بضم النون وكسرها، وذكر جواز فتحها.
وقوم يونس: هم أهل نينوي من بلاد الموصل، كانوا يعبدون الأصنام، فبعث الله إليهم يونس فأقاموا على تكذيبه سبع سنين، وتوعدهم العذاب بعد ثلاثة أيام. وقيل: بعد أربعين يوما. وذكر المفسرون قصة قوم يونس وتفاصيل فيها، وفي كيفية عذابهم الله أعلم بصحة ذلك، ويوقف على ذلك في كتبهم. وقال الطبري: وذكره عن جماعة أن قوم يونس خصوا من بين الأمم بأن تنب عليهم بعد معاينة العذاب. وقال الزجاج: هؤلاء دنا منهم العذاب ولم يباشرهم كما باشر فرعون، فكانوا كالمريض الذي يخاف الموت ويرجو العافية، فأما الذي يباشره العذاب فلا توبة له. وقال ابن الأنباري: علم منهم صدق النيات بخلاف من تقدمهم من الهالكين. قال السدي: إلى حين، إلى وقت انقضاء آجالهم. وقيل: إلى يوم القيامة، وروي عن ابن عباس. ولعله لا يصح، فعلى هذا يكونون باقين أحياء، وسترهم الله عن الناس.
* (ولو شاء ربك لآمن من فى الارض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين * وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون) *: قيل: نزلت في أبي طالب، لأنه صلى الله عليه وسلم) أسف بموته على ملة عبد المطلب وكان حريصا على إيمانه. ولما كان أخرص الناس على هدايتهم وأسعى في وصول الخير إليهم والفوز بالإيمان منهم وأكثر اجتهادا في نجاة العالمين من العذاب، أخبره
(١٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 ... » »»