تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ١٩٤
والعربيان، والكسائي: قل انظروا بضم اللام، وقرئ: وما تغني بالتاء، وهي قراءة الجمهور وبالياء. وماذا يحتمل أن يكون استفهاما في موضع رفع بالابتداء، والخبر في السماوات. ويحتمل أن يكون الخبر ذا بمعنى الذي، وصلته في السماوات. وانظروا معلقة، فالجملة الابتدائية في موضع نصب، ويبعد أن تكون ماذا كله موصولا بمعنى الذي، ويكون مفعولا لقوله: انظروا، لأنه إن كانت بصرية تعدت بإلى، وإن كانت قلبية تعدت بفي. وقال ابن عطية: ويحتمل أن تكون ما في قوله: وما تغني، مفعولة لقوله: انظروا، معطوفة على قوله: ماذا أي: تأملوا نذر غنى الآيات. والنذر عن الكفار إذا قبلوا ذلك، كفعل قوم يونس، فإنه يرفع العذاب في الدنيا والآخرة وينجي من الهلكات. والآية على هذا تحريض على الإيمان، وتجوز اللفظ على هذا التأويل، إنما هو في قوله: لا يؤمنون انتهى. وهذا احتمال فيه ضعف. وفي قوله: مفعولة معطوفة على قوله ماذا، تجوز يعني أن الجملة الاستفهامية التي هي ماذا في السماوات والأرض في موضع المفعول، لأن ماذا منصوب وحده بانظروا، فيكون ماذا موصولة. وانظروا بصرية لما تقدم، والأيام هنا وقائع الله فيم، كما يقال أيام العرب لوقائعها. وفي الاستفهام تقرير وتوعد، وحض على الإيمان، والمعنى: إذا لجوا في الكفر حل بهم العذاب، وإذا آمنوا نجوا، هذه سنة الله في الأمم الخالية. قل فانتظروا أمر تهديد أي: انتظروا ما يحل بكم كما خل بمن قبلكم من مكذبي الرسل.
* (ثم ننجى رسلنا والذين ءامنوا كذلك حقا علينا * ننجى المؤمنين) *: لما تقدم قوله: فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم، وكان ذلك مشعرا بما حل بالأمم الماضية المكذبة ومصرحا بهلاكهم في غير ما آية، أخبر تعالى عن حكاية حالهم الماضية فقال: ثم ننجي رسلنا، والمعنى: إن الذين خلوا أهلكناهم لما كذبوا الرسل، ثم نجينا الرسل والمؤمنين. ولذلك قال الزمخشري: ثم ننجي معطوف على كلام محذوف يدل عليه إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم، كأنه قيل: نهلك الأمم ثم ننجي رسلنا على مثل الحكايات الماضية. والظاهر أن كذلك في موضع نصب تقديره: مثل ذلك الإنجاء الذي نجينا الرسل ومؤمنيهم، ننجي من آمن بك يا محمد، ويكون حقا على تقدير: حق ذلك حقا. وقال أبو البقاء: يجوز أن يكون حقا بدلا من المحذوف النائب عنه الكاف تقديره: إنجاء مثل ذلك حقا. وأجاز أن يكون كذلك، وحقا منصوبين بننجي التي بعدهما، وأن يكون كذلك منصوبا بننجي الأولى، وحقا بننجي الثانية، وأجاز هو تابعا لابن عطية أن تكون الكاف في موضع رفع، وقدره الأمر كذلك: وحقا منصوب بما بعدها. وقال الزمخشري مثل ذلك الإنجاء ننجي المؤمنين منكم ونهلك المشركين، وحقا علينا اعتراض يعني حق ذلك علينا حقا. قال القاضي: حقا علينا المراد به الوجوب، لأن تخليص الرسول صلى الله عليه وسلم) والمؤمنين من العذاب إلى الثواب واجب، ولولاه ما حسن من الله أن يلزمهم: الأفعال الشاقة. وإذا ثبت لهذا السبب جرى مجرى قضاء الدين للسبب المتقدم، وأجيب بأنه حق. بحسب الوعد والحكم لا بحسب الاستحقاق، لما ثبت أن العبد لا يستحق على خالقه شيئا. وقرأ الكسائي، وحفص: ننجي المؤمنين بالتخفيف مضارع أنجى، وخط المصحف ننج بغير ياء.
* (قل ياأهل * أيها الناس * إن كنتم فى شك من دينى فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ولاكن أعبد الله
(١٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 ... » »»